لا تزال أخلاق النبى «صلى الله عليه وسلم» بحاجة إلى تأمل ومدارسة، والاقتداء بها لصلاح ديننا ودنيانا، وتحقيق السلام الاجتماعى وإبراز الصورة الحقيقية للإسلام بحسن الدعوة إليه والترغيب فيه، بعيدا عن التعصب والكراهية والعنف الذى يحاول المرجفون إلصاقها بالإسلام ورسوله، وهما منها براء. فما أحوجنا للتأسى بجميع أخلاق النبي، لاسيما التراحم والتسامح والعفو، وتطبيق ذلك، بين جيراننا وذوى رحمنا وجميع أخوتنا فى الإنسانية.. فالمتأمل لجانب العفو فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم كما يقول هانى ضوة نائب مستشار مفتى الجمهورية يجده صلى الله عليه وآله وسلم لم ينتقم ممن آذوه وهجوه بأقذع الأشعار، بل كان رده بالعفو عنهم وتجاهلهم، حتى من حاولوا قتله، فهو «صلى الله عليه وآله وسلم» الذى عفا عن قريش كلها، بعد أن خذلوه وعادوه وأخرجوه من دياره وحاربوه وألبوا عليه العرب، فلما فتح مكة عفا عنهم ولم يؤاخذهم بسوء صنيعهم ولا انتقم منهم، بل قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». وكان من بين من عفا عنهم وحشى بن حرب قاتل عمه سيدنا حمزة الذى كان يحبه، وهند بنت عتبة التى أكلت كبد سيدنا حمزة، وهبار بن الأسود الذى اعتدى على السيدة زينب بنت النبى «صلى الله عليه وآله وسلم» وكانت حاملا فأسقطت جنينها، وماتت، والحويرث بن نقيذ الذى اعتدى على السيدتين فاطمة وأم كلثوم، ابنتى النبى «صلى الله عليه وآله وسلم»، فأوقعهما من فوق جملهما، وبعض المغنيات اللاتى كن يتغنين بأشعار تهجو النبى «صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله».. كل هؤلاء عفا النبى «صلى الله عليه وآله وسلم» عنهم يوم فتح مكة بعدما تغلب عليهم وأصبح قادرًا عليهم، بل الأرقى من ذلك أنه صافحهم كما ورد فى كتب السيرة. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رميت على رأسه الشريف القاذورات وهو يصلى فى الكعبة، ولم يشهر سيفه فى وجه الفاعل أو يستعدى المسلمين ضده، بل قال: «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون»، ولم يقتل طفلا من أطفال الطائف عندما قذفوه بالحجارة وسالت دماؤه الطاهرة، بل جلس يشتكى لربه، وعندما أتاه ملك الجبال وقال له: «إن شئت أن أُطبقَ عليهم الأخشبَينِ؟ -الجبلين- فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «لا.. بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا»، وهو صلى الله عليه وآله وسلم الذى عفا عن اليهودية التى دست له السم فى الشاة لتقتله، فأنطق الله له الشاة وأخبرته بأنها مسمومة، ولما أمسكوا باليهودية، وأتوا بها للنبى صلى الله عليه وآله وسلم قالوا له: ألا نقتلها؟، فكان رد النبى صلى الله عليه وآله وسلم: لا. وأضاف ضوة أن الخطاب الربانى فى القرآن الكريم، جاء ليؤكد خلق العفو الذى تخلَّق به النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فحتى فى أقصى درجات الإساءة والأذى لأى مسلم وهى الاستهزاء بآيات والله وكلامه القرآن الكريم، لم يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه بالانتقام أو القتل من هؤلاء المستهزئين، بل طالبه بالإعراض عنهم حتى ينتهوا من استهزائهم، وألا يجلس معهم حتى يتحولوا إلى الحديث فى شأن آخر، يقول تعالى: «وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»، فلم يدع الله سبحانه وتعالى نبيه إلى الانتقام ممن يستهزئون بآياته الكريمة رغم قداستها، ولكن طالبه بالإعراض عنهم والابتعاد عن مجالسهم حتى لا يستفز حديثهم المؤمنين فتحدث فتنة وصدام، كما جاء التوجيه الربانى بالعفو والصبر والإعراض عن الجاهلين فى أكثر من موضع فى كتاب الله عز وجل، فقال تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ».