فيما يشبه الفضفضة والشكوى من عادات اجتماعية انتشرت أخيرا، كتب الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى على صفحته «صورتان من الماضى والحاضر ونظرة إلى المستقبل». وقد استعرض صورة الماضى قائلا: تربيت صغيراً على قراءة المقالات الرصينة لقاماتٍ كبيرة فى الصحف القومية والمجلات، وتعرفت على أسلوب الفيلسوف توفيق الحكيم على صفحات الأهرام، وتابعت بشغف أسلوب الكاتب الموهوب أنيس منصور، وعرفت السياسة من خلال «بصراحة» للكاتب محمد حسنين هيكل كل يوم جمعة. وقد علمنى جدي، وأنا لم أتجاوز السابعة من عمري- قراءة «نوابغ الفكر العربي»، وسلسلة «اقرأ»، وكان يكافئنى بقراءة كتب «كامل الكيلاني» قبل نوم القيلولة كل يوم جمعة. وأضاف: «قرأت فى مكتبات جدى مجلدات عميد الأدب العربى طه حسين ثم العقاد وغيرهما.. كل هذا قبل سن الثامنة. وحتى فارق جدى الحياة فى منتصف الستينيات لم يحدثنى عن «الدرجات» أو «الامتحانات» يوماً فى حياته وإنما كان يفخر بحفيده أمام الناس الذى قرأ لهؤلاء العظماء فى هذه السن الصغيرة، بفضل تشجيعه لى وتعليمى أن «قيمة المرء فيما يعلم». ثم أكمل والدى رحمه الله هذا الطريق، إذ كان يجل العلم والعلماء، ويمضى وقته كله فى طلب العلم والبحث والتعلم».
أما عن صورة الحاضر التى تسبب له ألما فقال: «أفقت من هذه الذكريات لأواجه الواقع الحالى بعد نصف قرن وحزنت لما أصاب العلم والمعرفة والعلماء. أحاول جاهدا أن أفهم ماذا حدث خلال الخمسين سنةٍ الماضية للتعليم والمجتمع والوعى الجمعى .. أقرأ ما نكتبه فى صحفنا اليوم، وتأملت ضياع لغة الحوار واستبدالها بالصراخ والسب ليل نهار على مواقع التواصل الإجتماعي، تأملت أيضاً تردى اللغة العربية فيما نقول وفيما نكتب. ومن العجب أن تتهاوى اللغة الأم ومعها اللغات الأخرى وقد استبدلنا هذا كله بلغة دارجة ركيكة ومصطلحات لا أعلم من أين جاءت وكيف تروق لنا بديلاً عن جمال ورصانة لغتنا الأم . تأملت كيف نتشدق بحرية الرأى ثم ننهال سباباً وتجريحاً على أى صاحب رأى لا نتفق معه وكأن الرأى الآخر عداوة مطلقة تستدعى نواقيس وطبول الحرب» وقال الوزير، فى هذا العالم الجديد تغيرت الأدوات وأصبح الصوت العالى أقوى من العلم والمعرفة وانتصر الابتزاز الفكرى على المنطق والحجة. وفى هذا العالم الجديد نجد تربةً خصبةً للإشاعات والتشهير وهدم الأمم ولم لا فقد بات الناس لا يسألون سنداً أو مرجعيةً لأى شيءٍ يكتب، ولا يحتاج المرء علماً أو مصداقيةً كى يتناول شتى الأمور. ولهذا كله نجده يسيراً جداً أن تنتشر الشائعات والأكاذيب والتحريف والتزييف لأننا لم نعد نحاسب مروجيها، وكأننا نجد سعادةً خاصة فى تناول سيرة الناس وتحقيق مكاسب خاصة بأقل جهد بإثارة بلبلة دائمة تستنزف الوقت والجهد وتقتل العزائم والهمم. قد يبدو هذا الحديث حزيناً أو محبطاً ولكن رأيت أن أشارككم صورة من الماضى وأخرى من حاضرنا الذى نعيشه ونكابده معاً، على الأقل كما أراه، لعلنا نتفكر فيما أصابنا ونحاول معاً أن ننقذ أطفالنا الصغار مما أصابنا نحن الكبار. وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية.