عندما جاء الدكتور هيثم الحاج على، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب، للجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب. لكى تتناقش معه اللجنة حول معرض القاهرة الدولى للكتاب. الذى يحتفل بمرور نصف قرن على إقامته. أقيم المعرض لأول مرة سنة 1969، وافتتحه الزعيم عبد الناصر، فى المكان الذى توجد فيه الأوبرا، وصندوق التنمية الثقافية، ومسرح الهناجر. وكانت إقامة المعرض وقتها برجاء من الأشقاء العرب ليأتوا للقاهرة ويعلنوا تضامنهم مع الشعب المصرى بقيادة عبد الناصر فى حربه المقدسة ضد العدو الصهيونى. نقل المعرض لأرض المعارض بمدينة نصر. ومكث فيها حتى العام الماضى. وفى هذا العام استقر الرأى على نقله لمدخل التجمع الخامس بجوار مسجد المشير طنطاوى. المكان هناك أوسع، والإمكانات المتاحة أكثر. فضلا عن أن المقر القديم فى أرض المعارض يحتاج إلى إنفاق بلا حدود حتى يصبح صالحا لهذه المناسبة التى لا تتكرر فى العمر مرتين. لم أكن مستريحا لفكرة نقل المعرض. وعبرت عن هذا أكثر من مرة، وهاأنذا أعاود الإلحاح فى التعبير. رغم أن إجراءات نقله اتخذت فيها خطوات. وإعداد المكان القديم توقف. ثم إن الباقى من الزمن أقل من القليل. فالمعرض يقام فى الأسبوع الأخير من يناير والأسبوع الأول من فبراير. ليتوافق مع إجازة نصف العام الدراسى، مما يجعله عيدا ثقافيا للأسرة المصرية كلها. عندما جلس هيثم ليرد علينا. كانت بيده مجموعة من الكتب الصغيرة. وأنا لا أستطيع مقاومة فضولى الشخصى إزاء كل ما هو ورق مطبوع. كتاب أو جريدة أو مجلة. فضول أسعد به. وأعتبر أن توهجه وحضوره أحد أدلة وجودى فى الحياة. وأخشى من يوم يجف أو يتلاشى هذا الفضول الجميل. الكتب الستة صغيرة الحجم، أو من القطع الصغير. كانت نواة مشروع جديد بدأته هيئة الكتاب أخيرا. والكتب الستة عبارة عن طلائع المشروع الذى أتمنى أن يستمر ويكتمل لأن أحد مشكلاتنا إزاء المشروعات الكبرى أننا نعرف الخطوة الأولى ونركز عليها ونهتم بها دون أن نكمل الخطوات التالية. على الرغم من أنها قد تكون أهم من الخطوة الأولى. عنوان أى كتاب يبدأ بما. يليه الموضوع الذى يدور الكتاب حوله. والكتب الستة التى تركها لنا رئيس الهيئة تدور حول قضايا ثقافية مهمة بالنسبة للقارئ العادى والمثقف والمتخصص وحتى المشتغل بالإنتاج الثقافى. كتابة أو نشرا أو توزيعا أو حتى قراءة. هذه عناوين الكتب الستة: ما الموسيقى للدكتور زين نصار، ما الفلسفة للدكتور عزت القرنى، ما السينما للدكتور وليد سيف، ما الشعر للشاعر رفعت سلام، ما علم الاجتماع للدكتور أحمد زايد، ما التاريخ للدكتور أحمد زكريا الشلق. وقد عرفت أنه فى مطابع هيئة الكتاب ستة كتب أخرى ستصدر. والأفق ممتد أمام المشروع حتى يكمل 1000 كتاب. حتى نسميه الألف كتاب الثانى، بعد المشروع الأول الذى أقيم فى ستينيات القرن الماضى ولم يكتمل. نحن إذن أمام مشروع وليست سلسلة. لأن الكتب لا تحمل أرقاما مسلسلة. ولا يوجد الكتاب الأول ولا الثانى ولا الثالث. ومهما يكن عدد صفحات الكتاب الصغير. فإن السعر المطبوع عليه ثلاثة جنيهات. لا يمكن أن تغطى تكلفة الطباعة. وسمعت أن المؤلفين لم يحصلوا على أجور وقاموا بالعمل متطوعين من أجل المشروع. مشروع ما ذكرنى بمشروعات كثيرة عاصرناها وتوقف الكثير منها. إن لم تكن قد توقفت جميعها باستثناء حالات نادرة. من منا يستطيع أن ينسى كتابى لحلمى مراد. وكان مشروعا خاصا، بعيدا عن الدولة المصرية. وكان مهما فى زمنه وما زالت أهميته قائمة. ولو أعيدت طباعة ما صدر منه لأقبلت عليه الأجيال الشابة أيما إقبال. دار المعارف كان فيها سلسلة إقرأ. كتب صغيرة الحجم، قليلة الصفحات، عظيمة القيمة والأهمية. أصدرت دار المعارف أخيرا كتابا عن السلسلة. فيه معظم ما كتب عنها بأقلام كبار أدباء ذلك العصر: طه حسين، عباس العقاد، نجيب محفوظ، وعبد الحليم عبد الله، وغيرهم كثيرون.لدينا من المشروعات التى بدأت فى أواخر أربعينيات القرن الماضى وأوائل الخمسينيات كتاب الهلال الذى يصدر فى الخامس من كل شهر عن دار الهلال. ويحمل اسم المؤسسة ومجلتها الرئيسية. ولم يكتف أصحاب الدار بكتاب الهلال. هناك أيضا سلسلة روايات الهلال. والكتاب والرواية استمرا فى الصدور رغم كل الظروف الصعبة والعصيبة. ومجرد الاستمرار أحيانا بطولة من نوع نادر. لن أحصى المشروعات. ولكن أى مشروع منها مهم. ونحن فى أمس الحاجة إليه فى معركتنا. لا أقول ضد التطرف والإرهاب. ولكن لترميم الذاكرة المصرية والعربية والإسلامية. واستعادة نشاطها والاستفادة من مخزونها. لأن الشباب فى مصر الآن يوشك الكثير منهم أن ينصرف إلى الفضاء الاجتماعى. وعملية استعادته للقراءة الجادة مسألة تزداد صعوبة مع الأيام. ما عرفته من رئيس الهيئة أن المشروع مستمر. وأتمنى ألا يتوقف وألا يرتبط بمن أنشأه أكثر من ارتباطه بمصر الراهنة ومدى احتياجها للكتاب البسيط السهل الذى يخلو من تعقيدات الكتب الكبرى، ويأخذ الشاب من حياته ويفرض عليه أن يستمر فى قراءته حتى آخر كلمة فيه. يكتب الدكتور هيثم الحاج علي: فى إطار بناء الشخصية المصرية، تسعى الهيئة المصرية العامة للكتاب إلى توسيع دائرة متلقى إصداراتها لتتوجه إلى شبابنا فى المدارس والجامعات عبر فتح بوابات المعرفة كافة أمامهم وتوسيع دائرة النشر فيها لتشمل العلوم الحديثة التى تساعده على تحديد اتجاهاتهم واحتياجاتهم. مشروع ما يسعى لاستكتاب كبار المتخصصين فى مجالاتهم من أجل إصدار الإصدارات المبسطة التى تلقى كل منها ضوءا على فرع من فروع العلم والمعرفة والفنون والإبداع. إنه مشروع مقدم لشبابنا لكى تتضح أمامهم آفاق العلم والمعرفة ولكى تكون مرشدا لهم فى مستقبل أيامهم ليستطيعوا التعرف بشكل أدق على أهدافهم. لديّ تساؤلات: هل سنقرأ كتبا مترجمة؟ وعند الترجمة هل سنترجم من سلاسل مشابهة فى العالم لنتابع ما يدور حولنا قبل أن نكتفى بما نفعله؟ هل سيطبع المشروع إبداعات أدبية ومذكرات شخصية ويوميات؟ وهل سنقرأ لأشقاء عرب فى كتب المشروع المقبلة؟. لمزيد من مقالات يوسف القعيد