عاصر مجانية التعليم وتمتع بها فى كل مراحل حياته الدراسية من الابتدائية حتى تخرجه فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1979، فهو من مواليد يونيو 1957 ثم سافر إلى الولاياتالمتحدة ليحصل على الماجستير ومن بعده درجة الدكتوراه ثم شغل العديد من المناصب الراقية فى مختلف دول العالم, أى أنه تعلم فى مدارس وطنه وجامعاته وسافر ليكمل تعليمه بالخارج على حساب مواطنيه، بينما لم يسدد تكاليف دراسته المجانية، ليعود ليتبوأ موقعه الوزارى فى مصر ويفاجئ الجميع بمطالبته أمام إحدى لجان مجلس النواب بإلغاء مجانية التعليم باعتبارها ظلما اجتماعيا..أضرت بنا وبنضحك على نفسنا, هكذا قال وجرى تسجيله فى مضابط اللجنة..! فى مطالبته هذه التى استند فيها على الموضة الجديدة: التفكير خارج الصندوق قال: لابد من مواجهة الأفكار التقليدية القديمة التى أضرت بالتعليم مثل مجانية التعليم فتلك المجانية ماينفعش تتساب بدون نقاش، لازم تناقشوها، لو فضلنا عايشين بدا نبقى بنضحك على نفسنا، دا ظلم اجتماعى مش عدل اجتماعي، هنفضل عايشين كده لإمتي..؟ ، ثم مفيش مجانية، اللى بيدفع الفاتورة الدولة والأهالي.. الفاتورة اللى بندفعها مع بعض 200 مليار جنيه، ومش بتروح فى المكان الصح. وبالفعل فإن المجانية قد انتهت واقعيا من زمن ولكن ليس للأهالى أى ذنب فى ذلك بل إن كل الذنب يتعلق فى رقبة الوزارة ومسئوليها الذين تقلبوا على منصب الوزير، نظرا لسوء حال المدارس ومدرسيها ومناهجها الدراسية!. لم يكتف بذلك بل أضاف فى كلمته خلال اجتماع لجنة المشروعات بالبرلمان: الناس ممكن تدفع لأى حد إلا الحكومة، تدفع لسنتر أفاق وكأن إحنا كخة، ثم سؤال للى بيقول لنفسه ملك الكيمياء، مين اللى خلاك ملك الكيمياء معاك شهادة؟. وعلى الرغم من أن لكل مشكلة حلين، أحدهما سهل والثانى أسهل غير أن مسئولينا يلجأون دائما للحل السهل وهو هنا إلغاء مجانية التعليم.. بينما الحل الأسهل يتبلور فى تحسين البنية التحتية للتعليم من إصلاح حال المدرسة والمدرس والمنهج الدراسي, فعلى الأقل سيدوم هذا الحل طويلا وسيلحق به الأجيال المقبلة. نقطة أخرى تتعلق بأن ما يقوله بعض المسئولين فى الغرف المغلقة مغاير تماما عما يقولونه على الملأ واستنادا إلى منطق الحلين, فالحل الأسهل هنا فى هذا المجال هو إعلام المجتمع بكامل الحقيقة دون إخفاء أى شئ منها، غير أن المسئول عندما اكتشف أن ما يقوله أمام لجنة النواب قد أثار غضب الكثيرين, بعد ما نقل محررو الصحف كل ما قاله, سارع ليلقى بالاتهام على وسائل الإعلام، إذ كتب عبر حسابه الشخصى على موقع فيسبوك: سألتنى إحدى المحررات الشابات هذا السؤال: «هل حضرتك عاوز تلغى مجانية التعليم ولاتعيد صياغتها؟» وطبعا كل هذا بسبب ما نشره بعض الصحفيين الذين لا أعرفهم وتواجدوا فى جلسة لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة «دون علمى» التى حضرتها احتراما لرغبة رئيسها الفاضل النائب محمد كمال مرعي. وأضاف: لنحاسب بعض الذين يسيئون إلى الجميع باجتزاء الكلام من سياقه أو عدم فهمه أو نقله بصورة تفتقر إلى الدقة والمهنية، لقد جلست للتحاور مع السادة النواب المحترمين ولم أكن فى حديث صحفي، ولم يتم إبلاغى بوجود صحفيين يكتبون بل ويصورون فيديو دون علمى داخل جدران مجلس النواب. وهنا يتضح ما كان يريد إخفاءه، فإذا كان يعلم أن هناك صحفيين ينقلون ما يقوله لكان الكلام قد تغير تماما ولما كان قد كشف عما يستهدف تحقيقه. من بين موروثاتنا الثقافية الشهيرة هناك مقولة: إن قلت ما تخافش وإن خفت ما تقلش.. وهو فى مجمله يعنى حتمية التحلى بالشجاعة الأدبية وتحمل كامل المسئولية لكل ما ينطق به الشخص، خاصة إن كان من بين من يتولون مواقع أدبية رفيعة ولا تُرد لهم كلمة. فإذا كنت تمتلك منطقا يتيح لك عرض رأيك والدفاع عن وجهة نظرك فهو أمر تستحق معه كل التقدير والاحترام حتى من جانب من يخالفونك الرأى أو ممن يعترضون على وجهة نظرك هذه.. أما أن تلجأ إلى ما يمكن تسميته الهروب من مسئولية ما نطقت به وأنت فى كامل وعيك وإدراكك وتبدأ فى رشق الآخرين باتهاماتك وتوجيه تهديداتك دون مبرر أو تفسير فإنك تكون قد افتقدت هذه الشجاعة ولا تستطيع حتى انتقاء ما تقوله، خاصة إذا كنت من بين الأشخاص الذين يتوسم فيهم البعض بأنهم يدركون تماما معنى الاتهام ويجيدون بالتأكيد عرض وجهة نظرهم والدفاع عنها!. انتهى الكلام ولكن بقى شىء واحد وهو أن أى تشابه فيما حملته السطور السابقة مع ما نفاه الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم أمام نفس اللجنة: المشروعات الصغيرة بمجلس النواب هو «صدفة», آه والله «صدفة».. بس مقصودة!. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش