لم تك إشارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى مؤتمر «فالداي» قبل أسابيع، مجرد كلمات ما تلبث أن تذروها الرياح وتذهب بها إلى بعيد، وأعنى إيماءته إلى الإعلام الروسى والانزعاج البالغ الذى تبديه الدوائر الأمريكيةوالغربية من قناة روسية (روسيا اليوم) متهمة إياها بالتأثير فى الرأى العام الأوروبى والأمريكى رغم أنها مجرد قناة واحدة وسط القنوات الغربيةوالأمريكية الغفيرة التى تبث ما حلا لها آناء الليل وأطراف النهار.. قناة واحدة بإمكانات محدودة تثير كل هذا الرعب والانزعاج؟.. هى مسألة جديرة بالتأمل وفهم التجربة الروسية الجديدة فى الإعلام ربما يصبح عونا لمن يعلقون كل فشل الإعلام المصرى على الإمكانات المحدودة وعدم قدرته على المنافسة وسط زحام الرسائل التى يشيعها الإعلام المضاد فى أمريكا أو أوروبا ويملأ الأثير بها ضجيجا وثرثرة، القصة تبدأ بمواجهة بوتين لما كان يسمى الإعلام المستقل أو الصحافة المستقلة (وهما ليسا حزبين) بعد أن تكاثرا فى المرحلة التى تلت سقوط الاتحاد السوفيتى، حين اكتشفت الجماعات التى حققت تراكما فى الثروة مدى قوة الإعلام وإمكانات الاعتماد عليه فى الصعود إلى السلطة أو تعزيز وتدعيم سيطرة قوى معينة عليها.. ربما كانت مواجهة بوتين مع أباطرة الإعلام هى بداية إقامته إعلاما جديدا وعصريا، فاصطدم بالملياردير جوسينسكى ثم بالملياردير بيريزوفسكى مالكى أوسع شبكة إعلامية وصحفية فى روسيا فهرب الأول إلى إسرائيل والثانى إلى بريطانيا، ثم بدأ بوتين هندسة مشروعه الإعلامى الكبير، الذى لا يقوم على احتكار الدولة لملكية وسائل الإعلام ولكن على استئثار بعض القوى الاقتصادية الخاصة القريبة من الدولة لوسائل الإعلام وكان ضمن إعلام بوتين الجديد تلك القناة التليفزيونية التى أقلقت الغرب والأمريكان وقضت مضاجعهم.. تجربة الرئيس الروسى فى تصميم وهندسة الإعلام الجديد لابد من فهمها، ولو اقتضى الأمر قيام جهة ما فى مصر بإرسال بعثات لدراستها، فمصر تواجه حربا دعائية تتواصل بالذات على «السوشيال ميديا» وتستهدف ضرب معنويات الشعب وتخريب مؤسسات الدولة عبر الكذب والتكرار وعرض الآراء على أنها حقائق وخلق مناخ عنكبوتى أسود متشكك فى كل شيء.. الإعلام هو الوسيلة الأولى للتغلب على ذلك الوضع، والتجربة الروسية التى أشار إليها بوتين فى «فالداي» أثبتت نجاحا يجب محاكاته. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع