كأنه مشهد درامى أسود يضطر مخرجه إلى إعادة تصويره أكثر من مرة ليتم ضبط وقائعه، انضم حادث أتوبيس المنيا الأسبوع الماضى إلى سلسلة الهجمات الإرهابية على الآمنين توهما من جانب هؤلاء الإرهابيين أن بقدرتهم تشويه صورة مصر لدى دول العالم قبيل ساعات من تجمع نحو 5 آلاف شاب يمثلون مختلف دول العالم فى منتدى شباب العالم بنسخته الثانية!. لم يكن اختيار توقيت اتمام الجريمة اعتباطيا أو مصادفة بل مقصود لإيهام العالم بأنهم لايزالون يمارسون غدرهم، إذ جاء بعد ساعات قليلة من تأكيد العقيد تامر الرفاعى المتحدث العسكرى أن العملية الشاملة سيناء 2018،قد حققت أهدافها بتدمير البنية التحتية للعناصر الإرهابية، واستهداف قياداتهم بشمال ووسط سيناء وعودة الحياة هناك لطبيعتها. وإذا كان الإرهابيون لا يفرقون بين رجل وامرأة أو طفل وعجوز أو مسيحى ومسلم فإن اختيارهم هذه المرة جاء على مصلين مسالمين مسيحيين غدروا بهم، وهم عائدون من دير الأنبا صموئيل المعترف عبر دروب فرعية، إذ إن الطريق الرئيسى للدير مغلق طبقًا للتعليمات الأمنية نظرًا لخطورة موقعه فى الظهير الصحراوى وانقطاع شبكة الاتصالات فى محيطه، فى محاولة فاشلة لإحباط استعدادات الدولة لاستقبال حجيج مسار العائلة المقدسة من مختلف دول العالم.. إلى جانب بدء عودة السياحة الروسية واعتراف دول العالم الخارجى بأن مصر أصبحت آمنة تماما!. وإذا كان هؤلاء المجرمون تجردوا من أدنى معانى الإنسانية، باعتبارهم بعيدين كل البعد عن تعاليم الأديان التى تدعو إلى التعايش والسلام ونبذ العنف والكراهية والإرهاب، وتجرم قتل الأبرياء والآمنين فإن اسقاطهم عددا من الأبرياء المسيحيين لن يثنينا عن القصاص لدماء هؤلاء المسالمين الذين كان كل هدفهم عبادة الرحمن الرحيم.. وجاء رد منتدى الشباب بعد ساعات قليلة من ذلك الحادث الغادر ليجعل محوره كتاب الأعمدة السبعة للشخصية المصرية للراحل الدكتور ميلاد حنا الذى أكد أن الحقبة القبطية هى أحد هذه الأعمدة السبعة من تاريخ مصر. لن نطالب بالحداد فهذا التعبير مجرد 6 أحرف تعكس انكسارا وقبولا للهزيمة والواقع المرير والاستسلام غير المقبول على الإطلاق..! غير أن مثيله بذات عدد الحروف التحدى يؤكد ثقة الدولة فى أجهزتها وقدرتها على القصاص والثأر من كل من يحاول المساس بمن تحمل ملامحه سمرة النيل، بصرف النظر عن ديانته وعقيدته، وهو ما أقدم عليه السيسى فى أول رد فعل على حادث ذبح اخوة مسيحيين قبل نحو العامين على يد داعشى ليبيا والذى أدمى قلوبنا جميعاً وقت أن أصدر أوامره لنسورنا قبل مرور 24 ساعة على هذا الحادث الدامى للقصاص لدماء هؤلاء الأبرياء الذين كانوا يبحثون عن لقمة العيش هناك ليدمروا تمركزات لعناصر الإرهاب بشكل كامل بمدينة درنة الليبية، ليؤكد الرئيس السيسى بعدها: أن مصر لن تتردد أبداً فى ضرب معسكرات تدريب الإرهابيين فى أى مكان خارج مصر، وأن من يقترب من أمننا سنتصدى له كما ينبغي. لن أخاطبك بسيادة الرئيس.. بل سأخاطب فيك ذلك القائد المقاتل العنيد الذى خرج قبل نحو 5 سنوات يقود شعبا فى مواجهة هؤلاء التتار الجدد الذين لا يعرفون سوى إسالة الدماء لغة لهم، وتوهموا أن بإمكانهم اختطاف شعب ووطن واخضاعهما لخداعهم حتى وإن كانوا قد غلّفوا هذا الخداع بمسبحة ولحية وأقول له: مثلما نزعت هذا الحزن الذى سكن قلبك وقتها فلتنزعه مرة أخرى وتقتص لهؤلاء الشهداء الجدد، فما جرى فى صعيد مصر قبل نحو أسبوع أمر لا تداويه تعبيرات الإدانة أو الاستنكار ولا يكفى الزمن ليُسقطه بالتقادم أو أن يُفلت المتورط فيه من العقاب، فتلك الصدور المحبة التى اخترقتها رصاصات الغدر لتستقر فى قلوب ملأها حب الوطن قد شرخت قلوبنا جميعا .. وفى الوقت الذى ظن فيه هؤلاء الخونة أنهم سيظلون يرقصون سواء على أسفلت طريق أو رمال مغطاة بدماء شهداء أبرياء نجحت قواتنا فى تصفية 18 منهم بعد ساعات قليلة من فعلتهم المشينة هذه باعتبارها خطوة قبيل إعلان نهايتهم قريبا. حوادث الإرهاب الغاشمة التى تستهدف المسيحيين مرة والمسلمين مرة تالية، وتسعى لشق الصف وإشعال فتنة لضرب أمن واستقرار الوطن، تتطلب وقفة جادة وإستراتيجية أمنية جديدة تستطيع أن تتعامل مع مستجدات الفكر المتطرف والتنظيمات الإرهابية التى تحاول أن تسرى فى جسد المجتمع، وربما يكون الإسراع فى تفعيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف دون أى تباطؤ، هو السبيل لمواجهة هذا السواد النابع من بقايا معين الطائفية وإطفاء نيران الفتنة البغيضة التى يحاولون اشعالها فهذه الأرض السمراء التى اختارت أن يضم رمزها ثلاثة ألوان، الأحمر والأبيض والأسود، ويتصدره نسر صلاح الدين، ستظل كما هى صامدة تضم مصريين مسالمين هدفهم الخير وتحكمهم الفضيلة ويحيطهم الحق بصرف النظر عن الدين الذى يؤمنون به.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولمواطنيك السلامة دائما. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش