انبهرنا دائما بالتجربة اليابانية فى التعليم وهو انبهار تستحقه، ولم نعرف أن باحثا ودارسا مصريا عاش هناك عشرين عاما قدم تجربة فى التعليم احتضنتها اليابان واعتمدتها فى عدد من مدارسها وأطلقت عليها «الزناتى ستايل» نسبة إلى صاحبها.. د. حسين الزناتي، الذى فور أن عاد إلى محافظته ومسقط رأسه المنيا حتى طبقها على عدد من مدارسها وتفاعل معها التلاميذ بصورة رائعة، وكما فهمت من حوار سريع معه فى منتدى الشباب أنها تعتمد على إعداد وتدريب الأجيال الصغيرة كجزء من العملية التعليمية وأنهم حققوا فى التعليم والمسئولية المجتمعية نجاحات كبيرة. بدأ حديث الأستاذ المصرى كأنه مفاجأة لم يسمع بها أحد مع أننا ننقل نماذج وتجارب من أنحاء الدنيا.. إلى متى سنظل لا نحترم علم وتجارب أبنائنا.. وإلى متى سيظلون لا يستطيعون أن ينجحوا إلا فى الخارج ولا نحسن اختيار ما لدينا من أصحاب كفاءات ليحملوا المسئولية.. وإلى متى سنظل لا نحترم ولا نقدر ثمار عقول وخبرات وأبحاث علمائنا وخبرائنا.. اليابان بكل تقدمها التعليمى والعلمى اقتنعت وطبقت تجربة مبتكرة للتعليم قام بها باحث مصري. ود. حسين الزناتى أحدث الشهادات الحية على تقصيرنا وإهمالنا بحق ما لدى علمائنا ومراكز أبحاثنا وجامعاتنا من كنوز علم ووسائل إنقاذ لأغلب ما نغرق فيه من مشكلات وأزمات تعصف بأمن وقدرة احتمال الملايين!!. أنجح التجارب هى التى تنبع من بيئتها وتربط الأجيال الصغيرة بخدمتها وتنميتها.. ولا أعرف لماذا يبدو لى ان كثيرا من مسئولينا لا يقرأون الواقع ولا يعيشونه ولا يدركون حجم ما فيه من معاناة.. فوسط الحديث عن الاهتمام بالكفاءات والموهوبين والمتفوقين تبدو التوجهات والسياسات تمضى فى اتجاه معاكس.. ولا أعرف كيف يجد المتفوقون طريقهم وسط ألغام الثروة والمال المطلوب من كل من يريد أن يعلم أولاده تعليما جيدا.. الأخطر والأكثر إيلاما وتهديدا أن تنقسم جامعاتنا الكبرى التابعة للدولة إلى قسمين... قسم لمن يستطيع أن يدفع وقسم لمن لا يستطيعون!وإلا فما معنى أن ينقسم التعليم فى هذه الجامعات نفس المناهج.. نفس الأساتذة.. ما الفرق بين ما يتلقاه القادرون على الدفع وما يتلقاه الطلبة فيما يعتبر تعليما مجانيا مع أنه لم تعد هناك مجانية حقيقية لا فى المدارس ولا الجامعات نشرت جريدة أهرام الجمعة 10/8 الماضى أن مجلس جامعة القاهرة ناقش فى اجتماع برئاسة د. الخشت رئيس الجامعة مشروع الجامعة الدولية بمدينة السادس من أكتوبر وصرح بأن الجامعة الدولية تعد من أهم المشروعات التطويريه للجامعة والتى تهتم بها الدولة وطالب ببدء تنفيذ حملة دعائية لجمع التبرعات للجامعة الدولية وأول تبرع لمصلحة المشروع تم إيداعه من مجلس جامعة القاهرة وبأن إنشاء الجامعة الدولية يأتى فى ظل فلسفة جامعة القاهرة للانتقال نحو جامعات الجيل الثالث عن طريق إيجاد كيان أكاديمى جديد ومتكامل قائم على الشراكة مع الجامعات الدولية المتميزة لمنح شهادات ودرجات علمية مشتركة من خلال نظام تعليمى متكامل؟؟ انتهى تصريح د.الخشت. بينما فى منتدى الشباب تحدث وزير التعليم العالى عن الخطة التى وضعتها وزارته باسم الخطة المستحدثه من الثورة الصناعية الرابعة. السؤال الذى يحتاج إلى توضيح وإجابة.. التعليم المتميز بأجياله الجديدة كما يقولون سيكون للمتفوقين أم للقادرين على دفع نفقاته الضخمة؟! وأعيد تساؤل آخر يؤرقنى وتناولته من قبل دون أن يتفضل أحد بإجابة، فمع أهمية الأخذ بأحدث الإنجازات العلمية والتعليمية دون تناقض مع الأطر الوطنية هذه الأشكال والأنواع المتعددة للتعليم هل تتبع نسيجا وطنيا متماسكا بين خريجى الجامعات والمدارس، وهل ليس له مخاطره على الشخصية المصرية التى حاول الاستعمار أن يخترقها من خلال التعليم وفشل؟ فهل التمييز التعليمى للقادرين على المتفوقين وهذا التعدد الخطير لألوان التعليم سيفعلها؟!! ولا أريد أن أضيف لكارثة التمييز وسطوة المال وصول الدروس الخصوصية وانتقالها من المدارس إلى الجامعات التى تناولها أ.د. صلاح الغزالى فى مقال مهم بالمصرى اليوم 6/11 وأتمنى أن تنجح إجراءات وقرارات وزارة التعليم فى إعادة الحياة إلى المدارس وجعلها مركزا ومحورا للتعليم مع إصلاح أحوال المعلمين مهنيا وماديا، وإذا كانت الأسر تدفع المليارات فى الدروس الخصوصية وما يطلقون عليه «السناتر» فأين القادرون ومن يستطيعون دعم محاولات الدولة، وهل تمت الاستعانة بخبرات الأساتذة والمتخصصين.. لفتنى فى تصريحات أدلى بها د. محمود كامل رئيس الجمعية المصرية لتطوير المناهج التى تضم مجموعة من كبار التربويين أن وزارة التربية والتعليم لا تستفيد ببحوثهم فى تطوير المناهج أو حتى تأخذ آراءهم فيما تقوم به من تطوير.. ولو من باب الاستشارة، ويدعو للالتفات للجمعيات العلمية لأنها كنز وطنى وعلمى يجب الاستفادة منه وأن تعدد أنواع التعليم خطر يهدد الشخصية المصرية. انتهى ما نقلته من تصريحات أستاذ المناهج بجامعة عين شمس وعضو مجمع اللغة العربية.. نموذج آخر للتعالى على علم وخبرات علمائنا وخبرائنا !!. أعود للسؤال الذى يشغلني.. فى التعليم وفى جميع جوانب الحياة.. ماذا سيفعل من لا يملكون ولا يستطيعون توفير الأرقام الخيالية التى ارتفعت إليها أسعار التعليم والخدمات وجميع ضرورات الحياة.. أصغرها وأكبرها؟! . أعترف بأنى مفزعة بما وصلت إليه سطوة ونفوذ المال والثروات واختراقها وقدرتها على الاستحواذ على ما تستحق وما لا تستحق، يساندها ويدعمها فساد من أخطر ما عرفت مصر فى تاريخها.. وبينما يتسرطن وتسيطر القوى المالية وتسفر عن قدرات وإمكانات خيالية، يصرح رئيس الوزراء بأن الدولة ستستدين لشراء القطن من الفلاحين، أو ما نسب لوزير المالية من البحث عن توفير تمويل خارجى لدفع فروق أسعار القمح التى ارتفعت عالميا باعتبارنا مازلنا على رأس قوائم مستورديه. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد