غرق البلد فجأة فى إعلانات عن حفل لمطرب مصرى شهير يقام فى أحد الفنادق بأعياد رأس السنة القادمة، وزفت تلك الإعلانات بشرى إلى المواطنين بأن سعر التذكرة سيكون عشرين ألف جنيه.. لم نعد طبعا نستغرب أرقام الإنفاق الباذخ السفيه فى كل المجالات، فنحن أمام طبقة حجمها طبقا لبعض التقديرات يصل إلى 5 ملايين شخص هم الذين يشترون الفيللات فى الساحل الشمالى والبحر الأحمر والصحراء بأرقام تتراوح بين عشرين مليونا ومائة وعشرة ملايين وهم أيضا الذين يقيمون حفلات ألف ليلة وليلة بمناسبة زواج أبنائهم، وهم الذين يخترعون أماكن جديدة لمرحهم وتسليتهم ومزاولة أنماط من السلوك لا علاقة لنا بها، وهم الذين يتشاغلون أو يتعامون عن أن مصر فيها مائة مليون غيرهم لا يطيقون أنماط الإنفاق أو الاستهلاك التى ينخرطون فيها، إضافة إلى أن حفنة الأثرياء التى تعربد فى ربوع الوطن وتتقلب فى مراغات من البهجة تتجاهل أننا بلد يمر بظرف اقتصادى استثنائى عصيب، كما تُعرض عن الاعتراف بأننا دولة فى حالة حرب تقتضى افتراضا أن ندفع جميعا ثمنا لها، أو على أقل تقدير أن نتحلى ببعض الحشمة والاتزان فى سلوكنا ونتجنب النزعات الاستعراضية المغرقة فى البهجة المفتعلة والصارخة.. هؤلاء سيشترون تذكرة حفلة هذا المطرب بعشرين ألف جنيه، وأنا أذكر أن ثمن تذكرة السيدة أم كلثوم (كوكب الشرق) التى كانت تقام فى دار سينما قصر النيل فى الستينيات والسبعينيات كانت ببضع عشرات من الجنيهات، الأمر الذى مع الاعتراف بفارق الأسعار لا يقارن بحالة هذا المطرب والطبقة التى ستحضر حفلته وتقدر على دفع ثمن تذاكرها.. إلى أين تمضى مصر؟.. نحن نعلم الناس فى كل يوم أن هذا البلد لم يعد يعترف بهم، وأنه صار فقط بلد طبقة لا نعرف ولا يريد أحد أن يدلنا كيف تكونت ثرواتها وعبر أى لون من الأنشطة، وإذا حاولنا المعرفة تجد ألف أصبع اتهام تشير لنا فى تشنج صارخ: (شيوعيون ناصريون) رغم أن أحدا منا لا يجرؤ أن يرفع أصبعه ويشير إلى هذه الطبقة، ويهمس (لصوص فاسدون)!!. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع