* الخطاب الدينى يعنى تجديد الناس لأفكارهم فى مستوى زمانهم الوطن يحتاجنا جميعا.. والمستقبل علم وقوة عسكرية وتعليم وشباب فيلا «الأمل» التى يقطن بها أشبه بجزيرة يحيط بها شارع طه حسين، ويتقاطع معه شارع عباس محمود العقاد، ويكمل المثلث شارع زكى نجيب محمود، فهى تتوسط كوكبة من العلم والأدب والفكر.. ويبدو أن صاحبها قد جمع من هذه الكوكبة العلم والأدب والفلسفة وزاد عليها الفقه والشريعة والقانون.. حينما دخلنا محرابه وجدنا آلافا مؤلفة من الكتب فى كل علم وفن. فى سكينة ووقار العالم تحدث إلينا العالم والمفكر الإسلامى الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية وقال إن تجديد الخطاب الدينى ضرورة ملحة، وهو يعنى تجديد المتغير من الأحكام.. وأشار إلى أن الحوار فى العقائد يؤدى إلى مزيد من الانقسام والاحتراب والتفتت، أما الحوار بين المتدينين فالأساس فيه حوار بين القواسم المشتركة والقضايا المهمة. وأضاف أن الدولة فى العالم كله تواجه مشكلات اقتصادية وسياسية وثقافية وقيما مرفوضة مستوردة، وعلى أهل الدين جميعا أن يتعاونوا من أجل حماية الدولة فى مواجهة العولمة وفى مواجهة الكوارث والإرهاب والأفكار المغالية و«داعش» وغيره من التيارات الغالية، ودعا د. كمال إمام أهل الاختصاص جميعا للإسهام فى تجديد الخطاب الديني؛ فكل خبرة بشرية إهدارها مرفوض وإقرارها ضروري.. وإلى نص الحوار.
هناك ثلاثة مصطلحات: تجديد الدين، تجديد الفكر الديني، تجديد الخطاب الديني.. فما الحكمة وراء اختيار مصطلح تجديد الخطاب الدينى دون المصطلحين الآخرين؟ وسطية مصر هى التى جعلتها تأخذ هذا المصطلح؛ فتجديد الدين قد يوهم بتجديد العقائد أو العبادات وهذا مرفوض. وتجديد الفكر الدينى قد يتصوره البعض صراعا وإلغاء لمذاهب وفرق قديمة فسيظل الناس معتزلة وأشاعرة وماتريدية، وسيظل الناس أحنافا وحنابلة وشافعية ومالكية وغير ذلك من المذاهب؛ لأن ولكل مجتمع تذوقه المذهبي، فالمالكية لهم جزء والمصريون شوافع والدولة العثمانية والهند حنفية.. هذا تنوع لا يضر بالوحدة وإنما يزيدها تماسكا واتساعا ورفقا، ولذلك فتجديد الخطاب الدينى يعنى تجديد المتغير من الأحكام، وفكرة تجديد الخطاب الدينى تعنى تجديد الفكرة فى حدود العصر.. تجديد الفكرة فى حدود الفطرة.. تجديد الناس لأفكارهم فى مستوى زمانهم.. كما أن هناك ربطا بين مجتمع الناس والدين.. ،وربطا بين الزمان والمكان، فلكل مكان أعرافه ولكل زمان مذاهبه ولكل مكان أفكاره. فتجديد الخطاب الدينى توسيع للمفهوم وليس تضييقا، ميل إلى الوسطية وليس ميلا إلى الشدة، ميل إلى الرفق لا التشديد، ميل إلى التيسير لا الغلو.. كل هذه المعانى متوافرة فى تجديد الخطاب الدينى ولكن مفهوم التجديد يحتاج إلى إيضاح، وهذه مهمة العلماء والمفكرين والمثقفين حتى لا يكون بعضهم فى مواجهة بعض مع وحدة الأفكار والأهداف والغايات؛ فالوطن للجميع والأديان متعددة، والإسلام صحيح فى قرآنه وسنته الصحيحة. ألا ترى أن كل دعاوى التجديد فى الخطاب الدينى هى إجابة لسؤال الغرب؟ إذا أخذناها على أنها ردة فعل فسيكون هذا السؤال مشروعا. أما إذا أخذناها على أنها ضرورة مجتمعية فسنرى أن الخطاب الدينى فى الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات غيره فى عصرنا الحالى وكذلك فى بدايات القرن العشرين غيره فى أواخر القرن التاسع عشر.. إذن المجتمع لابد أن يكون مجددا ومجددا فى فترات التاريخ المختلفة. أما أحكام العبادات فلا تتغير لأنها من الثوابت والقطعيات. ..وما رأيك فى مؤتمرات الحوار بين الأديان؟ الحوار بين الأديان لا أوافق عليه والحوار بين المتدينين أراه أدق؛ لأن لكل دين مطلقاته فى العقائد، والحوار فى العقائد يؤدى إلى مزيد من الانقسام والاحتراب والتفتت، أما الحوار بين المتدينين فالأساس فيه حوار بين القواسم المشتركة والقضايا المهمة. قلت ذلك فى مؤتمر فى روما بإيطاليا وكانت وجهة نظرى أن الحوار بين الأديان يؤدى إلى مزيد من الجفاء والاحتراب؛ لأن الحوار بين المتدينين يعنى الاشتراك فى حل قضايا الوطن وقضايا العالم.. الاشتراك فى حل قضايا الدين؛ فالدين فى العالم يواجه أزمة والمتدينون فى العالم عليهم بخطاب دينى جديد. فالدولة فى العالم كله تواجه مشاكل اقتصادية وسياسية وثقافية وقيما مرفوضة مستوردة، وعلى أهل الأديان جميعا أن يتعاونوا من أجل حماية الدولة فى مواجهة العولمة وفى مواجهة الكوارث والإرهاب والأفكار الضالة وداعش وغيرها من التيارات المغالية، وأخيرا على الأديان، وبخاصة فى عالمنا الإسلامي، الوقوف إلى جانب الأسرة فى محاولة تحطيمها، والوقوف إلى جانب المرأة من محاولة العدوان عليها، والوقوف إلى جانب الحق فى مواجهة الذين يريدون العدوان عليه، والوقوف إلى جانب الوطن فى محاولة تفكيكه، والوقوف إلى جانب الأطفال فى محاولة جعلهم أطفال شوارع.. وكلها مشكلات إنسانية يستطيع أصحاب الأديان باجتماعهم معا الاتفاق على رؤى مشتركة لحلها، ولذلك التعاون بين الأزهر والكنيسة من خلال بيت العائلة إيجابى والدفاع عن الوطن إيجابي، وكل ما يمثل الخير العام إيجابي، ومن يقف ضد ذلك فهو ضد الدين والحق والعدل. هل لدى العلماء الوعى الكافى بأن ما يحدث فى مجتمعاتنا الشرقية تحكمه أطماع القوى الكبرى فى العالم؟ نعم القوى الكبرى هى الخطر الماثل أمامنا الذى ينبغى أن نقاومه بكل قدراتنا العقلية ليس حربا بل فكرا.. ليس قتالا بل ثقافة.. الوحدة والتنوع حماية فى مواجهة القوى الكبرى من تفكيك المجتمعات الإنسانية، وفى مقدمتها المجتمعات الإسلامية، فالعلماء لديهم وعى كامل أو متنام أو نصف كامل بالمشاكل.. الخطر معروف للجميع ولكن الجميع لا يتفقون على محاولة صد الأخطار.. الجميع مدعو من أجل وقفة صلبة وكشف حساب والهدف الأساسى حماية الوطن وحماية المواطن وهذا هدف نبيل دعت إليه القيادة السياسية ونستطيع أن نبدأ فى بناء مستقبلنا، فالمستقبل علم وقوة عسكرية وتعليم وتعاون، والمستقبل شباب وأطفال فوطننا يحتاج إلينا وعلينا أن نقدم له الغالى والثمين من أجل الوصول إلى حياة أفضل. دعت القيادة السياسية إلى هيئة وطنية تضم رجال الاجتماع وعلماء النفس والتربية والمفكرين والمثقفين إلى جانب إخوانهم من رجال الدين من أجل صياغة خطاب ديني، هل تم تفعيل هذا الأمر أم أنه ما زال فى مرحلة الدعوة؟ لا تزال فى مرحلة التفعيل، وتفعيلها يحتاج إلى جانب بحثى يتعلق بالاختصاصات التى سوف تقوم بها هذه المؤسسة ثم مناهج العمل فيها ثم تكوين هذه المؤسسة بقرار سياسي، وبالتالى وجود هذه الدعوة أمر ضرورى وإيجابي، لكن لابد أن يوجد حد أدنى من التوافق بين هذه المؤسسات على الأفكار الرئيسية.. ينبغى أن تكون لدينا رؤى وطنية نشترك فيها جميعا. هل نختلف جميعا على حماية الوطن والذود عنه وحمايته من الإرهاب لا يختلف أحد على هذا وهو أمر رئيسى وجوهرى ومن ضرورات مقاصد الشريعة ومن ضرورات المجتمعات الإنسانية ومن ضرورات القوانين ومن ضرورات النظم السياسية. إذن هناك قواسم مشتركة وهناك مناطق يمكن النقاش فيها والحوار حولها. يمكن الحوار حول أجدى الطرق التى نصل بها إلى أهدافنا، ولكن الأهداف ينبغى أن يشارك الجميع فى الاقتناع بها. هذا فى مجال المنظومة وفى مجال الأحكام إذا كانت شرعية فيختص بها مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء والأزهر الشريف ودار الإفتاء.. هذه هى المؤسسات العاملة فى هذا المجال لأن الأمر يتعلق بالحلال والحرام. وقد يتساءل البعض أليس لخبراء الاقتصاد والرياضة والفنون والصحافة دور فى البحث عن الأحكام؟ نعم لهم دور فى توصيف الواقع وتحليل المشكلات والتبصير بما يحتاجه المجتمع ثم تأتى الخيارات حول ما نسميه السياسات التى يقوم بها ولى الأمر فى الجانب التشريعى ويقوم مجمع البحوث وهيئة كبار العلماء بعرض الآراء المختلفة، ويترك لأهل التشريع وأهل السياسة اختيار الآراء المشروعة بما يحقق مصالح الناس فى هذه اللحظة، وقد تتغير المصالح فتتغير معها الأحكام. هذا لكى تصبح عملية التجديد فعالة ويقوم بها أهل الاختصاص وأهل الاجتهاد وأهل التشريع.