سماح الأمريكيين للأتراك بأن يكونوا عنصرا عسكريا فى شرق الفرات، يعطى فرصة للتصدى الأوسع «بعض» الأكراد الذين لم يحددهم الخطاب الرسمى التركى إلا بأنهم «إرهابيو» حزب العمال الكردستانى وتوابعه، وهى مساحة سياسية تتسع لتشمل معظم الأكراد الذين لا أبالغ إذا قلت إن أنقرة تشن عليهم حرب تطهير عرقى تحاول منع قيام كيان أو دولة قومية كردية، ولكن التسامح الأمريكى إزاء التغول التركى المرجح فى شرق الفرات هو مسألة تقتضى بعض التأمل، فقد جاء بعد صفقة الإفراج عن القس الأمريكى برونسون، وهى الصفقة التى أثار توقيتها عدة أمور ضمنها التهدئة الأمريكية مع تركيا، ورغبة تركيا الشديدة فى تحجيم العقوبات الأمريكية عليها التى أرهقتها اقتصاديا، وسوف تؤثر على الانتخابات المحلية التركية فى مارس القادم، ولكن أهم عنصر فى هذا التدخل التركى شرق الفرات أنه سوف يسمح لأنقرة بمنع استهداف بعض الدواعش الذين دخلوا سوريا عبر الأراضى التركية وبمعاونة من الأتراك، وهم صناعة أمريكية لتنفيذ بعض المخططات الاستراتيجية. صحيح أن التحالف الدولى يحاول الآن حسم الموقف العسكرى بالتعاون مع حليفه (قوات سوريا الديمقراطية) التى أنشأها ودربها، ولكن السماح الأمريكى لتركيا أن يكون لها أصبع فى دست (أوحلة) شرق الفرات يوحى بأن الولاياتالمتحدة تؤخر القضاء النهائى على داعش، كما يميل إلى دعم وجود كيان كردى فى سوريا عبر (قوات سوريا الديمقراطية) ولكنها تتسامح مع التلويح التركى بالتدخل فى تلك المنطقة لأنها تريد أن تكون المفاضلة فى إدارة شرق الفرات بين قوة (داخلية سورية) أى الأكراد أيا كان تنظيمهم وقوة (خارجية أجنبية) أى تركيا بحيث يطول أمد الأزمة السورية والوجود الأمريكى غير المشروع على أراضيها، أى أن الولاياتالمتحدة تدير كل هذه المنظومة من المتناقضات لتحقيق بقائها وأن تصبح رقما فى المعادلة فى مواجهة الحضور الروسى فى سوريا الذى كان أكبر هزيمة لحقت بها بعد هزيمة أوكرانيا، وفى إطار ذلك تغازل عميلها القديم فى أنقرة وتسمح له بأدوار فى مناطق تحركها حتى لا يصبح الأكراد وحدهم فى الميدان وتصير الساحة مزدحمة تعج بأطراف تعرقل أى حل، وفى أثناء ذلك تنجز بعض الصفقات الصغيرة مثل صفقة القس برونسون. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع