المجهود المعتبر الذى تبذله اللجنة القومية لحماية وتطوير القاهرة التراثية، برئاسة المهندس شريف إسماعيل لصيانة وإحياء أماكن لن تُعوض فى تاريخ المعمار والتخطيط والتجميل بمصر، يستحق منا كل تقدير، كما يستأهل منى احتفالا خاصا كونى كتبت عن موضوعاته لسنوات فى سلسلة نشرتها بالأهرام بعنوان (الشوارعيزم)، ولكن تطعيم وصقل هذا المجهود ببعض وجهات النظر هو أمر يضع (الفكر الأهلي) وليس فقط (المجهود الأهلي) مساندا على أوسع نطاق للعمل الرسمي، ومن ذلك ما طالعناه عن إحياء حديقة الأزبكية وإحياء وتوثيق النباتات فيها، وهو عمل كبير قياسا إلى تاريخ تلك الحديقة الزاخر، والتى شهدت بعض حفلات كبرى منها ما أحيته كوكب الشرق السيدة أم كلثوم. ومهمة إحياء وصيانة التراث لا تتوقف فقط على إعادة عناصره الأصلية إلى حالها, ولكنها تشتمل أيضا على إضافة عناصر جديدة تخرج على الشكل المتكرر المألوف الذى تمثله مجموعة معينة من الأشجار والنباتات موجودة فى كل شوارع مصر وما تبقى من حدائقها، أى باستيراد نباتات وسلالات نادرة وفريدة وإضافتها إلى المدينة، بالضبط كما فعل محمد على باشا والخديو إسماعيل باشا حين استوردا بعض الأشجار الاستوائية وحتى أشجار أخرى من فرنسا لوضعها فى شوارع وحدائق القاهرة أو حواف الترع فى الأرياف، وشهدت حدائق الزهرية والأزبكية والأورمان والحيوان والأسماك مشاهد لافتة لأشجار نادرة أو جميلة تضاف إلى صورة مصر مثل شجرة (شعر البنت) التى أضافها هؤلاء الحكام العظام إلى صورة الريف المصرى بعدما استوردوا شتلاتها، وفى هذا الإطار أخبرتنى صديقة إعلامية كبيرة عما أعتبره لو صح كارثة قومية، ويتعلق بسرقة بنك البذور القومى فى حديقة شهيرة وقت اضطرابات اعتصام النهضة الإجرامى وهو يحوى كل التقاوى المصرية الأصلية، وما جعلنى أنتبه لهذا الخبر هو أن هذه الإعلامية هاوية شبه متخصصة دائمة التردد على مثل تلك الأماكن، ومن هنا فإن إحياء التراث لا يقتضى فقط جهد هيئة التنسيق الحضارى للترميم وإعادة التخطيط العام إلى صوره الأولي، ولكنه يعنى استيراد إضافات مؤثرة وبشكل دائم، وتعويض ما أفسده التخريب طوال السنوات الماضية، وعلى رأسه كنز التقاوى التاريخى والبذور التى كانت معالجة وراثيا على نحو فريد جدا. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع