الاكتفاء بوصم هؤلاء التجار بأنهم جشعون، هو مجرد حكم أخلاقى قد يعرقل التعامل معهم بتهمة اقتراف جريمة اقتصادية مكتملة الأركان، لأن المسألة تجاوزت الرفع الطفيف للأسعار إلى مجال آخر فيه رسم خطط مركبة تقوم على السرية ويشارك فيها أعداد غفيرة، تستهدف إخفاء سلع أساسية لاحتياجات المواطنين حتى يضمن هؤلاء التجار عندما يقررون أن يطرحوها بالسعر المرتفع غير المنطقى الذى يحددونه أن يتكالب عليها المستهلكون صاغرين، فتتراكم الأرباح بشكل خرافى! يكفى أن الأخبار المتداولة تؤكد أن الفلاح يبيع كيلو البطاطس بنحو 5 جنيهات، بعد موسم كامل من الكد والتكاليف فى بنود شتى، ثم يجرى تداولها من تاجر إلى تاجر حتى يتجاوز سعرها فى بعض الأسواق 12 جنيها! وقد أكدت تحريات وزارة الداخلية أن بعض التجار يحاولون احتكار أطنان من البطاطس والطماطم بهدف تعطيش السوق للهيمنة عليه! وتقول بعض الأخبار من محافظاتالدقهلية والغربية والبحيرة، إن شرطة التموين تمكنت من ضبط 9 قضايا تجميع وتخزين البطاطس وحجبها عن التداول، ووصلت المضبوطات إلى 1632 طناً! وطبعاً، وكما ترى، فإن هذه الأرقام قليلة جداً مقارنة بحجم الأزمة، كما أن الواقع يقول إن القضايا أكبر من هذا بكثير. وهذه من النقاط الأساسية التى يجب حسمها، لأن مشاركة وزارة الداخلية مع جهات أخرى فى قوافل توفر السلع التى يتلاعب بها هؤلاء التجار، ومع كل التقدير لحسن النوايا، إلا أن هذا جهد يُفتَرَض أن لا تقوم به الداخلية، لأنه يخصم من طاقتها فى القيام بدورها الأساسى فى تعقب الجريمة وتكييفها قانونياً والقبض على الجناة وعرضهم على النيابة..إلخ. لقد وصل نفوذ هؤلاء التجار إلى حد أن يجدوا من يدافع عنهم على شاشات التليفزيون بالترويج لما يزعم أنه حقهم، وفق مفاهيم يسعى لترسيخها لدى المشاهدين عن قانون العرض والطلب وعن التشريعات الدولية الخاصة بحرية التجارة، والتى يزعم أن الدولة لا تملك أمامها أن تتدخل بضبط الأسعار! لاحظ أيضاً أن هناك اتجاهاً فى الإعلام يحصر الجريمة فى أنها مجرد مبالغة فى الأسعار!! [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب