قال الرئيس السيسى فى أكثر من خطاب إن مصر سوف تكون حاجة تانية، دولة أخرى من نوع آخر، فى 30/6/2020. لابد أن هذا القول قد أثار خيال الكثيرين حول حال مصر بعد أقل من عامين من الآن. لم يذكر الرئيس تفاصيل لما سوف يحدث، بل على العكس فإنه فصل فى الأعباء الواقعة على الشعب المصري، ومن ناحية أخرى فإنه طالب المصريين أولا بأن يتسلحوا بالوعي؛ وثانيا أن يعملوا كما لم يعملوا من قبل، وأن عليهم بالكثير من الصبر. مثل هذه الدعوات ليست جديدة على الرئيس، فمنذ حملته الانتخابية عام 2014 وهو يعطى قدرا كبيرا من الاهتمام لمركزية العمل الشاق فى حياة المصريين للخروج من حالة الدول النامية إلى حالة الدول المتقدمة. الجديد هو أن الرئيس مع ذلك كله بدأ يلقى بأمل يبدو وكأنه يبشر بشروق شمس ليست بعيدة ولكن بعد قرابة عشرين شهرا من الآن. وفى يوم من الأيام قال أحد السياسيين البريطانيين إن مائة وخمسين عاما من الإمبراطورية البريطانية لا تزيد على أن تكون ومضة عين؛ فكيف يكون الحال بهذا القدر من الأشهر فى حياة المصريين والآلاف من السنوات التى عاشوها فى تاريخهم الطويل. بداية فلا يوجد لدى أى معلومات مباشرة عما هو مقصود بهذا التاريخ المحدد بمثل هذه الدقة؛ بل إنه توجد أسباب تعرف جيدا بالصعوبات التى تواجهنا وتجعل مثل هذا الحلم مستحيل المنال. الرئيس السيسى نفسه أعطى مثلا يوضح الأمور؛ فالثابت أن الحكومة المصرية بنت خططها خلال العام الحالى على أن سعر برميل النفط سوف يكون 68 دولارا، وكان هذا التقدير معقولا للغاية فى بداية العام حيث كان السعر 40 دولارا. ما حدث فعلا أن سعر البرميل ارتفع فجأة حتى وصل إلى 86 دولارا وهو ما كلف مصر الكثير سواء فيما يتعلق بالدعم أو تكلفة الطاقة التى تستهلكها البلاد فى عمومها. المفاجآت إذن ليست مستبعده، والعلاقات والسوق الدولية زاخرة بالكثير من التقلبات. ومع ذلك فإن هناك الكثير فعلا مما يبشر بالخير، فمعدل النمو المصرى فى نهاية السنة المالية المنصرمة كان 5.3%، والبنك الدولى يؤكد أن مصر بسبيلها إلى تحقيق 5.5% فى العام المالى الحالى وسوف تقترب من 6% مع العام الذى يليه. مصر إذن تقترب حثيثا من معدل النمو 7.5% الذى كان يريده الرئيس حتى نخرج من عنق الزجاجة، وحتى يكون النمو الاقتصادى قادرا على تجاوز الزيادة السكانية. هناك أمور أخرى تضاف إلى ذلك منها ما تحقق بالفعل وهو الاكتفاء الذاتى من الغاز، ومن المنتظر أن يبدأ التصدير فى العام المقبل، وإذا كان التفاؤل كاملا فإن حقل نور سوف يدخل الإنتاج هو الآخر قبل نهاية العقد والوصول إلى موعد الأمل المعقود. اكتشافات الغاز والنفط، ونتائجها التى سوف توفر لمصر عملات صعبة من المرور عبر الأنابيت، وتسييل الغاز القادم من دول أخري، وتصديره إلى أوروبا إذا ما أضيف إلى قفزة كبيرة فى السياحة ربما تجعلنا قادرين لأول مرة على الحديث بأنه عندما يحل الموعد 30/6/2020 فإن كثيرا من الأمراض الاقتصادية الحالية من عجز الموازنة العامة إلى العجز فى الميزان التجارى إلى ضعف العملة المصرية كل ذلك سوف ينتهى أو يقترب من نهايته، وينعكس ذلك على حالة المواطنين. هل من الممكن أن يتحقق ذلك خلال عامين؟ الأمر يحتاج إلى خبرة أكثر مما لدى فى عالم الاقتصاد، والمدى الذى يمكن لكل ذلك أن يحققه فى خفض التضخم الذى هو البلاء الحالى لدى المصريين. ولكن الاقتراب من الهدف المأمول لابد أن يظل عالقا بشرط قدمه الرئيس وهو مشاركة المصريين فى تحقيق ما يريدون تحقيقه؛ فصحيح أنه من الوارد أنه لدى الرئيس معلومات عن اكتشافات إضافية من الغاز أو النفط، أو أن عمليات البحث عن المعادن فى المثلث الذهبى أو فى المناطق الواقعة على البحر الأحمر فى بره وبحره يمكنها أن تقدم معجزة من المعجزات. ولكن المعجزة الحقيقية سوف تظل هى تعبئة وحشد موارد الثروة المصرية التى توجد فى المصانع المتعثرة، وفى رأس المال الميت الموجود لدى الكثير من المؤسسات العامة، وربما حدوث طفرة جديدة فى طرق الزراعة كما حدث فى مناطق كثيرة من العالم تجعل مصر مكتفية ذاتيا فى محاصيل بعينها حيث تشكل عبئا على الخزانة العامة. خلال عامين أيضا فإن كثيرا من المشروعات العملاقة من طرق وسحارات وتعمير فى الساحل الشمالى وسيناء سوف يبدأ عائدها يعود على مصر. من الناحية الجغرافية والديموغرافية سوف تكون مصر فى حالة أخرى غير حالتها الراهنة؛ وعلينا ملاحظة أنه حدث بالفعل الآن، وفى بعض المناطق البعيدة (العلمين على سبيل المثال) فإنه بات ممكنا الوصول إليها خلال ساعتين من القاهرة بدلا من خمس ساعات فى السابق. السؤال هو وماذا سوف نفعل بالزمن الذى انخفض إلى النصف أو أكثر؟ كل ذلك يعنى إمكانية حدوث طفرة كبيرة فى الحالة المصرية إذا ما شارك المصريون كل فى مجاله وفى منطقته وإقليمه فى عملية التنمية وكان الجميع قابلا لاتخاذ ليس فقط قرارات صعبة، وإنما أيضا قرارات فوق الصعبة. ولكن هل هذا هو ما كان يشير إليه الرئيس؟ وهل من الممكن التفاؤل بكل ذلك ومصر خلال العامين سوف تزيد بأكثر من أربعة ملايين نسمة، فمصر لن تعبر فقط المائة مليون نسمة، وإنما سوف تبدأ التوغل فى المائة مليون نسمة التالية. هل سوف يكون هناك مشروع قومى للتعامل مع الزيادة السكانية؟ هل من طريق أو تطور تكنولوجى كبير يجعل من الزيادة السكانية أقل بشكل ملموس عما هى عليه الآن؟ هذه ربما سوف تكون لغز مصر الأكبر، ولكنه قابل للحل إذا ما آمن المصريون أن مفتاح الحلم الكبير فى أن تكون مصر حاجة تانية فى 30/6/2018 سوف يبدأ بهم أولا. لا يوجد حل آخر!. لمزيد من مقالات ◀ د. عبدالمنعم سعيد