تحدث الرئيس الأمريكي ترامب في مناسبات عديدة عن دور بلاده في توفير الأمن والحماية للحلفاء وان امريكا قامت بهذا الدور مجانا لسنوات طويلة وانه آن الاوان للحلفاء، ان يدفعوا تكلفة هذه الحماية. كان أوضح مثال لذلك حديثه عن الدول العربية النفطية وخصوصا السعودية والتي قال انه اذا رفعت الولاياتالمتحدة الحماية عنها لمدة اسبوعين فإنها سوف تنتهي. وأثار ترامب نفس الموضوع بالنسبة لليابان وكوريا الجنوبية. وكذلك الحلفاء الاوربيون اعضاء حلف الاطلنطي بسبب عدم التزامهم بدفع النسبة المقررة في الإنفاق العسكري وان عليهم ان يدفعوا. والحقيقة ان ترامب لم يبتكر هذا الرأي ولكن سبقه في ذلك الرئيس أوباما في المقال الذي صدر عنه في مجلة اتلانتك في مارس 2016 والذي وجه فيه انتقادات لاذعة لعديد من حلفاء امريكا ولاسيما الدول الخليجية. فوصف السعودية بمصدر التطرف والإرهاب. ووصفها بالراكب المجاني وانهم يتجرون وينتفعون من الحرب على الإرهاب دون المشاركة فيها وأن بعض دول الخليج تنتفع بالمجان من خلال دعوتها أمريكا للتحرك دون أن تشارك بنفسها. وربما تجد حجة ترامب مبررها في عدد القواعد العسكرية الامريكية المنتشرة في العالم والاساطيل البحرية الامريكية الموجودة في المحيطات والبحار و الامريكيين الذين يعملون كمستشارين او مدربين في جبهات القتال وحجم ميزانية المعونات العسكرية في الموازنة الامريكية. كل هذا صحيح ولكن السؤال هل تقوم امريكا بهذا لحماية امن دول أخرى؟ ام لحماية امنها القومي ومصالحها الاستراتيجية في العالم؟. لقد تطور حجم الالتزامات العسكرية الامريكية في العالم على مدى عقود فبعضها في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية يعود الى ما يقرب من سبعين عاما مضت. وبعضها الآخر كالحال في منطقة الخليج يعود الى ما يقرب من الخمسين عاما. وارتبط هذا الالتزام بمفهوم الولاياتالمتحدة لمصالحها وأمنها في وقت كانت هي الدولة الاعظم وقائدة المعسكر الغربي ويسهم اقتصادها بأربعين بالمائة من اجمالي الانتاج العالمي. باختصار كان هذا الالتزام العسكري هو جزء من سياسة كونية لحماية المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الامريكية. واذا أخذنا حالة المنطقة العربية. فقد ورثت واشنطن النفوذ البريطاني فيها وتطور دورها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وصولا الى الانسحاب البريطاني من الخليج ودخول الولاياتالمتحدة حامية للمصالح الامريكيةوالغربية والتي تمحورت حول النفط انتاجا وتسعيرا ونقلا. وكان الهدف هو ضمان استمرار إنتاج النفط ووصوله الى الأسواق الغربية بأسعار مناسبة باعتباره المصدر الرئيسي للطاقة. وفي هذا السياق تتالت الاعلانات الامريكية بشأن ضمان أمن الخليج مثل مبدأ نيكسون ومبدأ كارتر الذي أعلنه في يناير 1980 بعد نشوب الثورة الإيرانية، والذي ورد فيه أن أي محاولة للتدخل من جانب طرف خارجي في شئون الخليج سوف يُعتبر اعتداءً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة وسوف يتم مقاومته بكل الوسائل الممكنة بما فيها القوة المسلحة. وصولاً إلى مبدأ كلينتون وسياسة الاحتواء المزدوج لإيران والعراق ورافق ذلك ازدياد عدد القواعد العسكرية الامريكية ثم التدخل المباشر وتكوين تحالف دولي بقيادة امريكية لدحر العدوان العراقي على الكويت. وجاء بعد ذلك مبدأ أوباما الذي عبر عنه في خطابه في سبتمبر 2012 امام الجمعية العامة للأمم المتحدة فذكر ان امريكا سوف تستمر في استخدام كل أدوات القوة لحماية مصالحها في الخليج وأنها سوف تواجه الاعتداءات الخارجية الموجهة ضد الحلفاء وأن أهدافها هي ضمان حرية تدفق النفط من المنطقة إلى سائر أنحاء العالم وتفكيك الخلايا الإرهابية التي تهدد شعوبنا وعدم التسامح مع انتشار أسلحة الدمار الشامل. ولم يذكر الالتزام بضمان وحدة اراضي الدول الخليجية ونظمها الحاكمة . وانتهى الامر في 2015 بتوقيع امريكا مع الدول الكبرى الاتفاق النووي مع ايران. وذلك دون مشاركة او تشاور مع الدول الخليجية وعدم الربط بين الاتفاق وسلوك ايران الاقليمي تجاه جيرانها مما آثار شكوكا لدى السعودية ودول خليجية أخرى في جدية الالتزام الأمريكي باستقرارها. ولطمأنة هذه الدول دعا اوباما قادتها للمشاركة في مؤتمر بكامب ديفيد يوم 14 مايو 2015. واعلن في المؤتمر الصحفي الذي اعقب المؤتمر ان الهدف من التعاون الاستراتيجي بين امريكا والدول الخليجية العربية ليس هو استمرار مواجهة طويلة مع إيران أو حتى تهميشها وأنه ليس من مصلحة أي طرف استمرار عداء مفتوح أو بلا نهاية معها. مضيفاً أن انتهاء التوتر في الإقليم وانتهاء صراعاته المدمرة يتطلب حواراً واسعا يشمل إيران ودول مجلس التعاون. وتغير الموقف الامريكي في عهد ترامب فأصبحت ايران اليوم هي اكبر دولة راعية للإرهاب في العالم والمصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الاوسط. وبالتأكيد فان من حق الولاياتالمتحدة ان تحدد مصالحها بما يخدم استراتيجيتها العالمية والاقليمية، وان تعمل على خدمتها والتأثير على الدول الاخرى او الضغط عليها لمسايرتها فيما تقوم به ولكن من الصعب جدا ان تزعم ان ذلك لحماية الدول الخليجية العربية. فما يهم واشنطن في المقام الاول والأخير هو النفط وورد ذلك صراحة في خطاب التهديد الذي ارسله الرئيس نيكسون الى الملك فيصل لكي يقوم بإلغاء الحظر النفطي بعد حرب 1973. ثم ان ترامب يتناسى استفادة الولاياتالمتحدة من هذه الدول والتي تأخذ أشكال الودائع الهائلة في البنوك الامريكية وشراء سندات الخزانة والاستثمارات المباشرة في داخل امريكا والتجارة وصفقات السلاح والتي تمثل جميعها إسهاما مباشرا في الاقتصاد الامريكي. والخلاصة ان أي نظام للأمن يعتمد علي دولة او دول اجنبية سيكون آمنا غير مستقر وغير موثوق به لأن موقف هذة الدول يمكن ان يتغير كما حدث ما بين ادارتي اوباما وترامب. وان أمن الدول الخليجية يتحقق من خلال تطوير القدرات الوطنية وبناء مجتمعات متماسكة ومستقرة وإيجاد القوة العسكرية العربية المشتركة. لمزيد من مقالات د. على الدين هلال