في حضور لافت من شخصيات لبنانية ومصرية بجامعة بيروت العربية، وفي قاعة جمال عبد الناصر، أقيم أمس الملتقي الثقافي المصري اللبناني الثاني، (الذي انعقد بالتعاون بين مؤسسة «الأهرام» وجمعية رجال الأعمال المصرية اللبنانية) ليناقش عبر جلسات ثلاث الثقافة في العالم العربي من التفكيك الي إعادة البناء. وحملت الجلسة الأولي عنوان «دور الثقافة في إعادة بناء الدولة الوطنية»،وتحدث رئيس الجلسة الدكتور عمار حوري فقال: إننا نأمل من هذا الملتقي أن يشكل قيمة مضافة، فما يجمعنا علي المستوي الثقافي بين مصر ولبنان، من انتساب لهذه الأمة العربية، وما يعني ذلك من تلاق في العادات والقناعات والأنماط في ثقافتنا التربوية والاجتماعية والإيمانية والوطنية. وأشار إلي أنه إذا كان عنوان ملتقانا اليوم هو « الثقافة في العالم العربي من التفكيك إلي إعادة البناء» فيه شيء من التشاؤم والأمل، فقد أقررنا بواقع التفكيك، وهذا أول العلاج، إلا أننا نأمل أن نعطي من خلال ما يراكمه الفرد والمجتمع من ثقافة العلم والأخلاق والبناء، ثقافة الرقي والتقدم وكان أول المتحدثين في الجلسة الأولي الدكتور خالد قباني وزير التربية والتعليم الأسبق، فقال: عندما نتحدث عن الدولة الوطنية نعني الدولة التي تقوم علي مفهوم المواطنة، أي الدولة التي ينتسب فيها إلي وطن ودولة، ويكون ولاؤه بالكامل للدولة التي ينتمي إليها، بحيث تتراجع أمام هذه الانتماءات سائر الانتماءات الأولية الأخري. وأشار إلي أن بناء الدولة الوطنية أو المدنية التي يخضع فيها الجميع، حكاما ومحكومين، لأحكام القانون، لا يمكن أن تتأسس إلا إذا استطاع المجتمع السياسي فيها أن يرتقي إلي مستوي من النضج والوعي المعرفي والفكري والسياسي أما د. وحيد عبد المجيد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، فأشار في كلمته إلي أن الثقافة تؤدي دوراً محورياً في بناء الدولة الوطنية، ومن ثمّ فإن أهمية هذا الدور مضاعفة عند إعادة بناء هذه الدولة في الحالات التي لم تتوافر فيها مقوماته عند بداية تأسيسها، ذلك أن دور الثقافة لا يزال منقوصاً أو محدوداً في بناء الدولة الوطنية في العالم العربي. وكان ثالث المتحدثين في الجلسة الأولي الدكتور حسان حلاق أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة بيروت العربية، حيث اتخذ لبنان نموذجا في دور الثقافة في بناء الدولة الوطنية، فقال: إن الانقسامات السياسية بين اللبنانيين تستمد جذورها من التباين الثقافي والانقسامات الثقافية التي تعود بجذورها إلي مئات السنين، وذلك بسبب تدخل الدول والقوي الكبري والعربية والدولية في شئون لبنان واللبنانيين، وفي الشئون السياسية والأمنية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية. وتساءل الدكتور عليّ الدين هلال في كلمته عن معني الثقافة الذي نتحدث عنه؟ ففي العلوم الاجتماعية هناك معنيان للثقافة، الأول: الأفكار والقيم سواء علي مستوي النخبة أو مستوي جموع المواطنين، والمعني الثاني هو قراءة الحالة، مجمل سلوك البشر من مأكل وملبس وزواج وغيرها، فبينما الأول عن الأفكار الكبري الموجهة والناظمة للمجتمع، فإن الثاني يتحدث عن السلوكيات، أما حينما نتحدث عن دور الثقافة إعادة بناء الدولة الوطنية فيدور في أذهاننا هذه المعلومات، وغالبا ما يكون التركيز علي الأفكار والقيم. الدكتور محمد قاسم عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية رئيس الجلسة الثانية، أشار إلي أن الثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة وتلتزم بدعمه ومن هنا ينبغي لنا أن نتساءل ونتناول التغير الثقافي من وجهة نظر قانونية، لماذا تم الحكم ببراءة طه حسين عام 1927، ولماذا تم الحكم بتكفير نصر حامد أبو زيد في . 1996وتحدث في البداية صلاح سالم الكاتب بالأهرام فقال: أن فهم دور الثقافة في مواجهة الإرهاب يقتضي فهم بنية العقل الأصولي المعاصر، كعقل مستقبلي جوهريا وإن بدي ماضويا ظاهريا، كونه عقلا خارجيا ونفعيا. عقل خارجي بمعني أنه يعاكس التوجه الرئيسي للتراث السلفي الرافض للخروج علي الحاكم، بالدعوة إلي تكفير المجتمع والخروج علي السلطة، بهدف التحكم في حركة الحاضر وصوغ شكل المستقبل.. وهو نفعي لأنه يعكس وعيا أصوليا لا يتقوقع علي نفسه كسابقه التقليدي بل وعيا أصوليا مختلفا قادرا علي التوظيف النفعي لمنتجات الحداثة. أما الوزير رشيد درباس وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني الأسبق فأكد في كلمته أننا نعيش في خضم الإرهاب، فهو ظاهرة من ظواهر الاستبداد الذي دمر الثقافة بل الإنسان نفسه كمفهوم كوني وشمولي في ثقافتنا الدينية والاجتماعية، كما أننا نعيش أيضا حالة التباس ثقافية وحضارية. ورأي جورج قرم الخبير المالي والاقتصادي أنه لابد من تكملة المشوار نحو إعادة روح النهضة العربية التي مرت في تاريخها بعدما تلاشت الدعوات العديدة لإعادة هذه الروح، وهذا الملتقي من أجل استعادتها. و قال نبيل عبد الفتاح إن هناك بعض الجوانب الإيجابية التي تبدو إشعاعا ولو بسيطا في ركام الانهيارات والقتامة التي تحلق في أجواء الإقليم العربي المضطرب، فهناك بعض التبلور لدي بعض النخب وبعض الفئات الاجتماعية بأزمة المؤسسات الدينية في وطننا العربي، وهناك اهتمام من بعض النخب السياسية الحاكمة بضرورة إحداث شكل ما جزئي أو جوهري حول سياسة دينية تنزع لإصلاح الخطاب الديني. وفي الجلسة الثالثة قال الدكتور صبحي عسيلة مفتتحا الجلسة التي حملت عنوان» مستقبل الصحافة ودور الإعلام في بناء الثقافة» إنه لا يخفي عن الجميع صحافيين وقراء أزمة الصحف الورقية في عالمنا، ولكن سنتحدث هنا عن دور الصحافة في بناء الثقافة، والسؤال هل الصحافة لعبت دورا في التشكيل الثقافي بالفعل؟ وهل التغيرات التكنولوجية المتاحة الآن غيرت شكل الثقافة عن التي كان يتم تقديمها في الصحف؟ أم أننا أمام ثقافة من نوع آخر؟ د. مني فياض الكاتبة والباحثة السياسية أشارت إلي أن علينا النظر في القراء الجدد، ومعرفة اللغة التي تناسبهم، فالسيطرة علي الإعلام تعني السيطرة أيضا علي الملايين، فالمطلوب هو حرية الإعلام وحرية الإصدار حتي تخرج من أزمتها الحادة. أما الدكتور سمير مرقص فأشار إلي أنه عندما يتعامل 2 مليار مواطن علي ظهر الكرة الأرضية مع تقنية «اليوتيوب» شهريا، بحسب إحصائيات حتي مطلع عام 2018، فلابد أن يطرح العقل اليقظ الكثير من الأسئلة حول: مستقبل القراءة، ومستقبل الإعلام المقروء، وهل انتهي «الزمن الورقي» لمصلحة «الزمن الرقمي.
توصيات المؤتمر أصدر الملتقي الثقافي المصري اللبناني الثاني بالتعاون مع مؤسسة الأهرام والجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال توصياته وذلك بناء علي جلسات الحوار الثلاث التي تخللته ومداخلات المتحدثين المتخصصين من وزراء وكتاب وباحثين وأساتذة جامعيين من لبنان وجمهورية مصر العربية علي مدي يوم كامل. فقد أوصت الجلسة الأولي التي حملت عنوان «دور الثقافة في إعادة بناء الدولة الوطنية» والتي أدارها النائب السابق الدكتور عمار حوري بحماية وتعزيز الديمقراطية مع دعم وتفعيل دور المجتمع المدني إضافة إلي نشر ثقافة الدولة الوطنية والمواطنة وصون العدالة مع التشديد علي ضرورة معالجة التباينات الثقافية بأنواعها وصولا الي ثقافة وطنية تتضمن القضاء علي ثقافة الفساد. أما الجلسة الثانية التي جاءت تحت عنوان «الثقافة في مواجهة الارهاب والتطرف» فأوصت بدورها بتحقيق مشروع ثقافي تنويري جديد يقوم علي دولة وطنية قوامها الإعلام الحر ووطن يسوده العدل والتعليم الحر بتفعيل دور الجامعات في معركة الثقافة ضد الارهاب مع التوعية بروحية الأديان. وفي الجلسة الثالثة والأخيرة بعنوان «مستقبل الصحافة ودور وسائل الإعلام في بناء الثقافة» والتي أدارها خبير الاستطلاعات والدراسات بمركز الأهرام الدكتور صبحي عسيلة شددت التوصيات علي ضرورة إخراج الإعلام اللبناني والعربي من عناوين الحزبية الضيقة مع مراعاة القواعد والاسس العلمية في العملية الإعلامية والاخبارية الي جانب دعم الصحافة الورقية لتعلّق جيل كبير بها. ودعت التوصيات الي تحقيق انتقال سلس الي الاعلام الالكتروني مشددة علي ضرورة منع وصول المهيمنين علي الاعلام التقليدي الي الاعلام الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي.