توقفنا فى آخر المقالة السابقة عند طائفة الخادمات (handmaids), أو بالأدق: طائفة الخادمات الوصيفات, ويُقصد بها فى رواية آتوود «قصة الخادمة»: خادمة الفراش أو الجارية أو الأَمَة. وهى فى ذلك النظام الاجتماعى الفانتازى - فى ديستوبيا آتوود أو «مدينتها غير الفاضلة»: جمهورية جيلياد - طائفة كبيرة من النساء الشابات المتعلمات جُرِّدن من وظائفهن وأموالهن وأهليتهن الاجتماعية كمواطنات راشدات كاملات الحقوق فى النظام السابق لجمهورية جيلياد - فى فانتازيا آتوود الكابوسية - الذى كان اسمه الولاياتالمتحدةالأمريكية, وتتخيّل مارجريت آتوود فى روايتها أن نظاماً دينياً استبدادياً حل محله. لقد فقدت طائفة خادمات الفراش فى جمهورية جيلياد حتى أسماءهن الأصلية, فصرن يُنسبن إلى سادتهن من الذكور فى أسمائهن الجديدة. فمثلاً راوية هذه الرواية/ الكابوس لا ندرى شيئاً عن اسمها الأصلي؛ لا اسمها الأول ولا لقب عائلتها فى العالم القديم الذى تبخّر. كل ما نعرفه اسمها الجديد Offred أو Of-fred, أي: المنتسبة إلى Fred, وهو اسم سيَّدها الذى تعمل خادمة فراش له ولزوجته- وهما من كبار السن والمقام- لتمنحهما الثمرة المرجوة المشتهاة, فتحمل من سيدها نيابة عن امرأته التى لم تعد شابة, فى مجتمع انتشر فيه العقم وتشوه الأجنة أو موتها فى الأرحام, نتيجة تفشى التلوث الغازى والإشعاعى إلى آخر أنواع التلوث؛ وهى ظاهرة لمست آتوود بداياتها فى زمن كتابة روايتها, ثم مدتها على استقامتها, لتكون ضمن عناصر الكابوس العام الذى ترسمه, بعد أن بلغت حد الوباء فى جمهورية جيلياد المتخيلة, فندر ميلاد الأطفال, خاصة مكتملى الصحة, فى تلك الجمهورية الخيالية الموبوءة بكل أنواع الفساد: فى البر والبحر والجو والقلب والعقل والجسد. تحكى أوف - فريد عن جسدها المنتهك, وحريتها المسلوبة, وكرامتها التى صارت ذكرى غائمة من عالم تبهت صورته فى وجدانها بمُضِيّ الأيام فالأعوام؛ عن زوجها وابنتها الطفلة اللذين فقدتهما بعد أن هدم النظام الجديد الأُسر الصغيرة ليبنى بدلاً منها طوائف من العبيد المسخرين لخدمة الدولة والمجتمع, أو بالأصح, لخدمة النُخبة الحاكمة من السادة ومنهم فريدريك ووترفورد سيد راويتنا ذات الرداء الأحمر الضافى الموحى ببدلة الإعدام, زى طائفة إماء الفراش. تحكى أوف - فريد عن ذلك الفراش, حيث يوجد الزوج وزوجته وجاريتهما معاً, فى ليلة هى عذاب لثلاثتهم, مخصصة لقدوم طفل لا يأتي, فى ظل العقم العام حقيقةً ومجازاً, بيولوجياً واجتماعياً. فالعبودية فى جيلياد تطال حتى السادة الرجال؛ لكن كبار السادة يملكون وسائل من المال والنفوذ والسلطة للتمرد سراً وعلناً ونيل بعض الحرية وقليل من اللذة. فتحكى وصيفته الخادمة كيف استدرجها سراً إلى حجرته الخاصة, مملكته التى لا يدخلها أحد إلا بإذنه حتى الزوجة, وأقام معها من وراء ظهر زوجته علاقة تخطت مهزلة الفراش الثلاثى ومأساته, حيث مارسا معاً فى تلك الحجرة محرمات مثل لعب أدوار من لعبة الإسكرابل! وقراءة المجلات القديمة! وأخيراً بعد مرور شهور من تلك اللقاءات السرية أعطى السيد جاريته ملابس أنثوية شفافة واصطحبها إلى احد نوادى السادة السرية, أشبه شيء ببيت دعارة مخصص لعلية القوم. وتنتهى الرواية بانكشاف أمر تلك العلاقة, ووقوع الخادمة فى أيدى البصاصين. لكنّ «نك» سائق سيارة القائد, وعشيق الخادمة فى علاقة سرية أخري, يهمس لها بأن تذهب معهم غير خائفة لأنهم أصدقاء. هذا تلخيص شديد بل مفرط الإيجاز للعمود الفقرى للحكاية. تتبقى بعض التفاصيل المهمة؛ والأهم: تتبقى حرفية آتوود وإبداعها الخاص فى النص.. وهو ما سنتناوله فى السطور المقبلة بإذن الله. لمزيد من مقالات بهاء جاهين