أنا موظف بسيط فى الأربعين من عمرى، وقد بدأت قصتي مع الحياة الزوجية المستقرة منذ20 عاما عندما رشح لي والدي رحمه الله فتاة جميلة ورقيقة من أسرة تربطنا بها صلة قرابة، وتولي هو بنفسه رعاية أسرتها بعد رحيل أبيها، وقال لي إنه وجد فيها المواصفات التي يتمناها كل أب في زوجة ابنه، والحقيقة أننى لمست فيها ما قاله عنها وأكثر منه, فأسرعت إلي اتمام اجراءات زواجنا، وعشنا في منزل والدي ومضت بنا سفينة الحياة في هدوء، وكان كل يوم يمر علينا يزيدنا تماسكا وحبا، وبعد عام وضعت زوجتي ابنتنا الأولي, وبعدها بعامين خرجت إلي الدنيا طفلتنا الثانية, فأضافت إلي بيتنا سعادة جديدة لم نعرفها من قبل وزاد إحساسي بالأمان والطمأنينة بعد أن أفاض الله سبحانه وتعالى علينا الكثير من رزقه مع قدومهما، وركزت كل جهدي لاسعاد أسرتي الصغيرة، ولا أنكر أنني تمنيت كثيرا أن يكون لدي ولد مثل كل الشباب الذين يراودهم هذا الأمل، وعندما حملت زوجتي للمرة الثالثة رحت أترقب ساعة الولادة فإذا بها تضع طفلة ثالثة، فعرفت أن هذا قدري ورضيت به، وذات يوم سقطت ابنتي الكبري علي الأرض، مغشيا عليها، فنقلتها إلي المستشفي وهناك علمت أنها مولودة بقصور في الكلي, وأنها سوف تصاب بعد فترة بالفشل الكلوى،ومرت أيام كئيبة لم أذق فيها طعم الراحة, وأنا أنتظر المصير الذي ستؤول إليه ابنتي, وحانت لحظة بدء جلسات الغسيل الدموى، وأنا أتجرع كأس الألم الذي تعانيه وهي الطفلة التى لم يبلغ عمرها بعد سبعة أعوام. وكانت المفاجأة الثانية أن ابنتي التي تليها في العمر اصيبت بنفس المرض وأصبحت هي الأخري تخضع لجلسات الغسيل مع أختها، ولم يمض وقت طويل حتي لقيت ابنتي الكبري وجه ربها، وارتاح جسدها الصغير من الآلام الرهيبة التي كانت تعانيها، وخيّم الحزن علي بيتنا، وعمّ فيه ظلام دامس وليل طويل وضاعف من أحزاننا أن ابنتي الثالثة دخلت دوامة هذا المرض، فأصابني الذعر، وسيطرت علىّ الهواجس، فلا يغمض لي جفن، وأصبحت أقضي معظم وقتي في الانتقال بين المستشفيات للبحث عن علاج دون جدوي, وحذرنى بعض الأطباء من الانجاب مرة أخري لأن كل من سأنجبهم من زوجتي سيكونون مرضي بالفشل الكلوي بسبب صلة القرابة التي تربطني بها، ثم تكرر للبنتين ما حدث لأختهما الكبرى، ورحلا عن الحياة، وخلت الحياة بنا أنا وزوجتى، وأتخيل لو أن لي ابنا يحمل اسمي ويكون لي سندا في الحياة إذا امتد بي مشوار العمر، ولكن كيف ذلك وقد حكمت عليّ الأقدار بألا أنجب مرة أخري من زوجتي, وإذا تزوجت غيرها فسوف تطلب مني الطلاق ويزداد بؤسي ومعاناتي في الحياة.. لقد أمسكت بالورقة والقلم، وكتبت إليك هذه الرسالة وكلى أمل أن ترشدنى إلى حل يريحنى، ويبدد الظلام المحيط بى من كل جانب، وينقذنى من العذاب الذى أعيشه ليلا ونهارا. ولكاتب هذه الرسالة أقول: سوف يتبدد الظلام من حياتك، حين تدرك أننا لا نملك اقدارنا, وأن علينا أن نسعى، وليس علينا إدراك النجاح, ولقد وهبك الله زوجة صالحة تحملت معك متاعب الحياة، وعشت معها أحلي سنوات الشباب، يجمعكما الحب وتظللكما السعادة, ثم جاء لحظة الاختبار الإلهي الذى وضعك في محك حقيقى يقيس مدي قدرتك علي تحمل الشدائد, وبرغم صبرك في البداية إلا أنك سرعان ما انهرت، وتحوّلت سفينة حياتك الهادئة إلي ثور هائج يدفعك إلي الإطاحة بكل من حولك, حتي زوجتك المحبة المخلصة لك, والتي ليس لها أى ذنب فيما ألم ببناتك تريد أن تضحي بها, وتتزوج من أخري سعيا لإنجاب الولد الذى تقول انه سيكون لك سندا في الحياة على حد تعبيرك!والحق أنك سوف ترتكب خطأ ستندم عليه كثيرا إذا أقدمت علي تجربة زواج جديدة, وذلك لاعتبارات عديدة أولها أنك سوف تهدم بيتك وتفقد زوجتك وحياتك المستقرة التي تعترف بأنها لم تشهد اي خلافات, وأنها خلت تماما حتي من المشاجرات البسيطة التي تحدث عادة بين الأزواج، أما ثاني هذه الاعتبارات فهو أنك لا تضمن أن تنجب لك زوجتك الجديدة الولد الذى تتمناه, ولا تضمن إن رزقت به أن يكون سليما وخاليا من هذا المرض أو غيره من الأمراض الأشد ضراوة, والاعتبار الثالث هو أن الطب فيه كل يوم جديد، ويمكن أن تعرض أنت وزوجتك نفسيكما على مركز طبى متخصص فى أمراض الوراثة، فربما وجدتما العلاج المناسب، واعلم أن أمر المؤمن كله خير، فانفض عنك غبار الهواجس الشيطانية التي تعتريك في هذه المرحلة من حياتك, وتقرب إلى الله, وكن على يقين بأن الفجر قادم ولو بعد حين, هداك الله وأصلح بالك.