تدين الثقافة الجماهيرية، التى أصبحت الآن تسمى هيئة قصور الثقافة، لسعد الدين وهبة، فقد قام بترسيخ الأسس التى أرساها سلفه سعد كامل وأضاف إليها الكثير، فقد كفل سعد الدين وهبة لهذا الجهاز الإدارة الممتازة واستقطب بصفته أحد المثقفين وأحد كبار كتاب المسرح فى مصر كبار الموظفين، وذلك لأن القيمة والشهرة فى مجال الأدب والفن لهما التأثير الكبير. ولذلك عندما طلب سعد الدين وهبة من زملائه وأصدقائه من كبار الأدباء والمثقفين الذهاب إلى قصور الثقافة لإلقاء بعض المحاضرات لم يتقاعس أى واحد منهم أو يعتذر وإنما كانوا يلبون دعوته على الفور، رغم قلة الأجر الذى يحصلون عليه. كان إيمان سعد الدين وهبة إيمانا قويا بالشباب، فاستعان بأفضلهم من مختلف التخصصات الأدبية والفنية بمختلف الاتجاهات ليتولوا المسئولية فيما بعد. وأنا أذكر من هؤلاء أسماء كانت شابة فى ذلك الوقت مثل فاروق حسنى وعز الدين نجيب وفؤاد عرفة وفتحى زكى ويسرى الجندى وعلى عبد الخالق ومحسن عايد وعلى أبو شادى ورضوان الكاشف، أما أنا فكنت من بين الذين يجولون أنحاء القطر المصرى مصطحبا معه الأفلام السينمائية المصرية والأجنبية الجيدة، وذلك لعرضها وإقامة الندوات، رغم أننى لم أكن موظفا مثل على عبد الخالق أو محسن زايد، بل كنت موظفا بمؤسسة السينما، ولكن إدارة السينما فى هيئة الثقافة الجماهيرية التى كان يرأسها فؤاد عرفة ويعمل معه الناقد الكبير فتحى فرج ويساعده على أبو شادى ورضوان الكاشف فكانت ترشحنى للقيام بهذا الأمر، وذلك نظير خمسة جنيهات عن كل ندوة. وكانت إدارة السينما هذه تصدر نشرة فصلية كل ثلاثة أشهر لا يقل عدد صفحاتها عن مائة وخمسين صفحة للدراسات والترجمات السينمائية وتحليل الأفلام، وكنت أواظب على المشاركة فيها، وتعتبر هذه النشرة من المراجع السينمائية المهمة. يقول المخرج الكبير على عبد الخالق عن تجربته فى الثقافة الجماهيرية فى كتابه «أنا وجماعة السينما الجديدة» الذى أصدره مهرجان الإسكندرية السينمائي: «تحولت قصور الثقافة إلى مركز إشعاع ثقافي، وأنا عاصرت هذه المرحلة بنفسي، فبعد تخرجى عينتنى القوى العاملة فى الثقافة الجماهيرية أنا وزميلى محسن زايد رحمة الله عليه وعملنا ما يقرب من عام فى إدارة السينما منذ بداية 67 إلى بداية 68 تحت إدارة العاشق للسينما الأستاذ فريد المزاوي، وكنا نقدم ندوات سينمائية وعرض فيلم مصرى أو أجنبى يحضره الأستاذ فريد المزاوى من المراكز الثقافية الأجنبية أو من شركات التوزيع الأجنبية التى تعمل فى مصر. ونحضر أسماء رنانة فى هذه الفترة وعمل ندوة بعد عرض الفيلم وأقوم أنا أو محسن زايد بإدارة الندوة، وأذكر من أسماء الضيوف الأساتذة صلاح أبو سيف، يحيى حقي، توفيق صالح، أسامة أنور عكاشة، ومحفوظ عبد الرحمن، وآخرين. وبدأت تباشير حرب يونيو ضد إسرائيل لا محالة، وبدأت الثقافة الجماهيرية تغير خططها، وأصبح دورها هو الشحن الجماهيرى استعدادا للحرب القادمة وندوة الفيلم المختار التى تقوم بعملها فى إدارة السينما التى أعمل بها أيضا غيرت برامجها للمواجهة المنتظرة، المهم ذهبت وأنا أحمل معى فيلم «عمالقة البحار» فى حقيبة صغيرة بها نسخة 16 مللى لأقوم بعمل ندوات فى قصور ثقافة المحلة ثم الزقازيق ثم الإسماعيلية ثم بورسعيد ثم السويس. ونظمت ندوتين، الأولى فى المحلة فى يوم 3 يونيو ثم فى الزقازيق بعد يوم 4 يونيو. وكانتا رائعتين فكانت الجماهير قد احتشدت داخل وخارج القصرين مع مديرى القصرين. كان سعد وهبة يهدف إلى التثقيف العام ورفع الذوق الفنى عند جماهير المترددين على هذه القصور والمتعطشين للثقافة والفنون، وكان مكتبه مفتوحا لنا ويستمع إلى اقتراحاتنا نحن المتعاملين مع هذا الجهاز نظير أجور صغيرة. وتحت اقتراح إدارة السينما بإقامة مهرجان اقتنع سعد وهبة بالفكرة وأقام مهرجانا سينمائيا للأفلام المصرية فى مدينة بلطيم وقام بدعوة عدد كبير من المبدعين والمثقفين واختار للتحكيم عددا من كبار السينمائيين والكتاب المشهورين واختص بأن تكون الأفلام المشاركة قد قام بإبداعها الشباب الجديد أو يكون الفيلم الأول لأى مخرج من العاملين فى السينما مثل مساعدى الإخراج الذين يخرجون فيلمهم الأول عن طريق الخبرة وليس عن دراسة أكاديمية. ولم يكن سعد الدين وهبة هو وحده النقطة المضيئة فى مسيرة الثقافة الجماهيرية، إذ بعد أن ترك مكانه جاءت بعده أسماء أسهمت فى هذه المسيرة وأضافت إليها الكثير مثل حمدى غيث، حسين مهران، فؤاد عرفة، على أبو شادي، أحمد مجاهد، وأنس الفقي، حيث لقيت الثقافة الجماهيرية ازدهارا فنيا وثقافيا على أيدى هؤلاء من نشر الكتب بأسعار ثروت عكاشة وعرض المسرحيات والارتقاء بالفنون الشعبية والموسيقى وإقامة المسابقات الفنية للمبدعين فى مجال الأدب والمسرح. وما لبثت الأعمال أن تدهورت بعد ذلك وتدخلت المحسوبيات حتى إن لجنة السياسات التى كان يرأسها ابن رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت حسنى مبارك وكان من بين أعضاء تلك اللجنة عضو كان يعمل أستاذا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية يحدوه الأمل فى أن يصبح بعد ذلك وزيرا يدعى الدكتور علوي، فأنا لا أحفظ اسمه كاملا، وأصبح رئيسا لهيئة الثقافة الجماهيرية دون أن يهتم بهذا المنصب انتظارا لمنصب الوزير مثل زملائه، فانتهى الأمر إلى محرقة بنى سويف الشهيرة التى راح ضحيتها ما يقرب من المائة شخص بينهم من كنا نأمل على أيديهم فى الكثير. وبعد جهد جهيد وتحت ضغوط أعضاء لجنة السياسات تمت «الطرمخة» على هذا العلوى وأبعد عن الثقافة الجماهيرية. المهم فى كل ذلك أن يكون الوزير يا سيادة الدكتورة الوزيرة، مؤمنا بأهمية هذا الجهاز الكبير، وأن يقتدى بثروت عكاشة عندما اعتبر الثقافة الجماهيرية الركيزة الأولى أو اللبنة التى تسهم بفعالية فى نشر الثقافة والارتقاء بالذوق العام، وهذا هو الأساس لنهضة الفنون والآداب. وهذه هى الرسالة الحقيقية لوزير الثقافة حتى لا تصبح فقط وزارة مهرجانات وتشريفات وسط شعب لم يتفتح ذهنه ولم يرتق ذوقه، وحتى لا نقول انعكس دور قصور الثقافة فى تدنى الذوق العام الذى نعانيه حاليا. لمزيد من مقالات مصطفى محرم