يعتقد بعض مسئولينا, خطأً بالتأكيد, أن بقاءهم على مقاعدهم الوزارية مرهون بحجم النفاق الذي يبدونه تجاه الرئيس السيسي وهم هنا يجانبهم الصواب, إذ إنه يغيب عنهم أن الرئيس ليس في حاجة إلى هذا الأسلوب الذي أقل ما يوصف بأنه ساذج للغاية, فبقاؤهم يرتبط فقط بمدى التزامهم بتنفيذ مسئولياتهم التي تفرضها عليهم مواقعهم الوزارية وبذل الجهد تجاه ما كلفهم به من مهام تتصدرها مراعاة المواطن ومواجهة مشاكله بأسلوب إنساني. يتغافل هؤلاء عن أن السيسي ذو خلفية عسكرية خرج من بين صفوف القوات المسلحة تلك المؤسسة الوطنية التي لا يؤمن رجالها سوى بالعمل والإنجاز وبذل الجهد والدم من أجل رفعة وطن عانى مواطنوه طويلا.. غير أن البعض الذين تقطر ملامح وجوههم لهفة انتفاع ربما اعتقدوا أن النفاق أقصر الطرق للوصول إلى قلب الرئيس ،وبالتالي الاحتفاظ بمواقعهم على الرغم من أن السيسي أعلن بوضوح فور توليه مسئولية القيادة أنه غير مدين بسداد أي فواتير لأي أحد..! بالتأكيد أن المبادرة التي أعلنها السيسي لإجراء المسح الشامل لفيروس سي والأمراض غير المعدية، والتي انطلقت في مرحلتها الأولى في 9 محافظات يوم الإثنين الماضي لإجراء تحليل فيروس سي القاتل والسكر العشوائي وقياس ضغط الدم والوزن والطول مجانا, مبادرة تستحق الإشادة بالفعل إلا أن الدكتورة وزيرة الصحة بالغت في ذلك تماما ووصفتها بأنها حدث عالمي كبير جدا ينتظره العالم كله بلهفة!. بعض الخبثاء فسروا مبالغة الدكتورة هالة زايد في وصف المبادرة بأنها تأتي كمحاولة من جانبها للتغطية على مسئوليتها عن المأساة التي وقعت في مستشفى ديرب نجم قبل نحو أسبوعين وراح ضحيتها 4 مواطنين من المرضى الأبرياء فى أثناء خضوعهم لعملية الغسيل الكلوي وإصابة 11 آخرين خاصة بعد أن وجه الرئيس وزيرة الصحة بسرعة إجراء التحقيقات الإدارية لبيان ما إذا كان هناك تقصير من جانب المستشفى. أنا عايز أعرف حقيقة الموضوع, هكذا قال الرئيس, إلى جانب تلك التحقيقات التي يجريها النائب العام. غاب عن وزيرة الصحة أن مثل هذه المبالغات لن تؤثر بأي شكل من الأشكال على توجه السيسي الذي لم يقف لحظة واحدة فى الطريق الذى اختاره منذ توليه المسئولية, فالرجل في بداية الأمر خاطر بحياته وقت أن انحاز إلى جماهير المواطنين وخرج ليحمي ثورتهم ثم راهن بعد ذلك بشعبيته الجارفة لتحقيق الإصلاح الاقتصادى، إذ لجأ إلى مفاجأة الجميع بتلك الحزمة من الإجراءات غير الجماهيرية الضرورية مفضلاً تآكل هذه الشعبية بدلاً من سقوط وانهيار مصر اقتصادياً!. وإذا كان الرجل مهيأ لمثل تلك الموجات المتتالية من النفاق التي تعرض لها منذ تخطيه عتبات القصر الجمهوري لأول مرة لكان استجاب لتلك الدعوات المحمومة عند إعادة ترشحه وفقا لحقه الدستوري لدورة رئاسية ثانية بتشكيل حزب سياسي يترأسه ليصبح ظهيرا شعبيا له غير أنه رفض تماما أن يستجيب لتلك الدعوات التي أقل ما توصف به أنها لا ترقى لتكون فوق مستوى شبهات النفاق..!. رفض السيسي هذه المحاولات يأتي اقتناعا من جانبه بأن غالبية أصحابها ينحصرون فى فئة الباحثين عن المنفعة إلى جانب بعض المتطوعين نفاقاً تحسباً لفائدة قد يجنونها من وراء ذلك.. وفى هذا الصدد بذل أعضاء جبهة المنتفعين جهودا مضنية لإقناعه بادعاء أن مثل هذا الحزب سوف يدفع الجماهير للمشاركة السياسية ويخلق نوعاً من التفاعل بين القيادة والظهير الشعبى، وسوف يدفع الأحزاب الأخرى, 104 أحزاب لم يسمع عن أغلبها أحد بمن فيهم مؤسسوها ذاتهم, إلى الاجتهاد سياسياً لتنافس الحزب الجديد وهو ما يؤدى إلى تحقيق مزيد من الديمقراطية فى النظام السياسى كما ادّعوا. ولأنه يدرك تماماً أن الظهير الحزبى سينتهى به المطاف إلى انحساره فى شخص واحد، كما جرى فى العديد من تجاربنا أحزاب الوسط واليمين واليسار فى بداية إعادة الحياة الحزبية في عام 1976، وبخاصة ما يقترب منها للسلطة بدءاً بحزب مصر العربى الاشتراكى الذى جف جماهيرياً تماماً بمجرد أن أعلن السادات إنشاء الحزب الوطنى فى عام 1978، إذ سارع نواب مجلس الشعب -وقتها- بالهرولة إلى حزب السلطة الجديد وهو ما كان محوراً لمقالة شهيرة كتبها الراحل على أمين كان من نتيجتها حرمانه أياما طوالا من كتابة عموده اليومي في جريدة الأخبار.. وبمضى الوقت فقد انحسر هذا الحزب تدريجياً -وقت مبارك- إلى الأمانة العامة ثم إلى لجنة السياسات متمثلة فى النجل جمال ثم التعبير الشهير أنا وبعدى الطوفان..!. في النهاية فلأن الرئيس يؤمن تماما بأن تحقيق الإنجاز هو الفاصل لقرب أو إقصاء أي مسئول.. فيا سادة أريحوا أنفسكم وتوقفوا عن محاولة نفاقه فهي لن تجدي معه على الإطلاق وتفرغوا لأداء مهام مسئولياتكم لأن العالم كله ينتظر بلهفة.. ولك يا مصر السلامة دوما. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش