هل بات إخوان تركيا مهمشين فى الأناضول الذى فتح لهم أبواب رزق وحماية ووضع أمامهم منصات إعلامية تناضل صخبا وصراخا فى اتجاه واحد فقط، ولا بأس إذا استبسلوا دفاعا ونفاقا عن ولى النعم العثماني، فهذا أقل ما يحب؟ فى هذا السياق، كان طبيعيا أن ينظر لهم خصوم الحكم ومناوئوه نظرات ازدراء واشمئزاز مصحوبة باللعنات ودعوات هى فى الحقيقة صيحات احتجاج بطردهم تحت شعار »لا نريدكم بيننا«. المفارقة، وهذا هو التطور النوعى اللافت، أن صناع قرار ونافذين وقيادات بحزب »العدالة والتنمية« الحاكم باتوا يصغون لتلك النداءات بعد أن كانوا لا يعيرونها أدنى اهتمام، فوفقا لتسريبات تنطلق من أروقتهم بين الحين والآخر، يبدو أنهم ضاقوا ذرعا بهم ويودون لو رحلوا مثلما جاءوا، غير أن السؤال الذى يطرح نفسه : «لماذا هذا الانقلاب المفاجيء على الإخوان»؟ صحيح أن وجودهم الذى يتركز فى اسطنبول كان ولا يزال له تكلفته السياسية الباهظة، لكنهم فى المقابل قدموا خدمات يصفونها هم أنفسهم فى مجالسهم الخاصة ب«الجليلة«، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فكرة الميليشيات المدججة بالآلى والسلاح الأبيض والموازية لأجهزة الأمن حتى تكون بعيدة عن أعين القانون كانت من صميم أفكارهم، بل أشرفوا على صياغتها فى إجراءات تنفيذية محددة وشهور قليلة خرجت إلى النور بعد ان تم تدريبها بالتعاون مع نظائرهم فى غزة على فنون حرب العصابات. ولم يمر وقت طويل، إذ سرعان ما تم استخدامها فى قمع المعارضين والتنكيل بهم وإثارة الرعب لمن تسول لهم انفسهم المساس بالزعيم كونه »الشيخ الرئيس مؤذن إسطنبول ومحطم الصنم الاتاتوركي«، فى إشارة إلى رجب طيب أردوغان، على حد وصف قيادة إخوانية أعدت كتابا عنه أخذ ذات العبارة، وهو ما تمت ترجمته فعليا فى عمليات بلطجة استهدفت مقار لصحيفة جمهوريت المعارضة وتاليا حريت قبل أن يتمكن النظام من السيطرة عليها. وخلال المحاولة الانقلابية الفاشلة قبل عامين، كان لهم دور بارز فى إحباطها، إضافة إلى كل ذلك فقد تم توظيفهم فى خدمة طموحات أردوغان فمن خلال أبواقهم الإعلامية التى وفرتها لهم الحكومة التركية بذلوا ولا يزالون يبذلون الغالى والنفيس لنيل الرضاء لتسويق استبداده وجنوحه السلطوى على أنه قمة الديمقراطية، وأن عثرته الاقتصادية ما هى إلا مؤامرة صليبية من أعداء الإسلام، وأنه سينتصر عليها لا محالة، وبدلا من إنزال العطايا والمكافآت عليهم، ها هم يواجهون صدا ونفورا وتجاهلا يتسع يوما بعد آخر، فرغم ما يدعونه من إلمام ودراية بالوقع الأردوغاني، فإنهم لم ينتبهوا إلى الإشكالية الاساسية التى تتصف بها سياسات الدولة التركية فى ظل العدالة والتنمية، وتتمحور فى التقلبات المفاجئة والانتقال السريع من موقف إلى نقيضه. زاد أن المتربع فى قصره الرئاسى المنيف بالعاصمة أنقرة لم يعد معنيا ولا مشغولا بهم، مع أنهم يكيلون ويكثرون له الدعاء فيما هو سائر بنهجه الذى خطّه لنفسه مسنودا بآفة الاستبداد.