إذا لم يستيقظ الشرق كله، فإنه سيضيع بالكامل، فقد ألمت به كوارث وأزمات متتابعة، وصلت إلى أن أصبح موطنا مزمنا للإرهاب والتطرف والحروب، وقد فاقت خسائره الحرب العالمية الثانية، فى عالم يتغير باستمرار ولا تتوقف حركته عن الدوران، وفى وقت أصبحنا فيه أمثولة للشعوب والقوى الدولية، ولم نتعلم من الكوارث والأزمات، فتلك الشعوب والقوى كانت ولا تزال تستخدم الشرق، ولا أحصر هذا الاستخدام شخصيا فى العرب أو الشرق الأوسط فقط، بل يشمل المنطقة ككل، وشعوبها قبل حكامها. فلماذا لا نستيقظ، وكيف؟ وليس هذا سؤالا أو استفهاما فقط، بل هو تنبيه للجميع، وفى كل مراحل حياتى المتعاقبة يراودنى ويستولى علىّ وقت الحروب والأزمات نفس السؤال، فأنا أخشى على الناس والشعوب وحياتهم البسيطة من الضياع وسط الاضطرابات والحروب. وهو سؤال يلح علىّ الآن، ويوجع ضميرى، فتنساب منى الدموع عندما أرى الذين يموتون فى العراق فى حقب متتابعة، وفى سوريا الآن بلا حصر، واليمن، وما أدراك ما اليمن الفقير، وهو فى أتون حرب شائكة، ولا أدرى عن أى شىء يبحثون؟ وليبيا التى فقدت استقلالها وحريتها، وأصبحت بؤرة للصراعات، وفلسطين ضائعة منذ الأربعينيات وحتى الآن!! وإذا نظرتم بعمق، فإن كل بلادنا تعانى صعوبات مختلفة ومشكلات متعددة، تهدد وجودها، وليس استقرارها فقط.. توقفت أمام صور العالم العربى الموروثة منذ ما قبل الربيع غير العربى بحقب عديدة، وتذكرت تاريخا لا أنساه، مر عليه 40 عاما، ففى 17 سبتمبر 1978 وقعت مصر (السادات)، بشجاعة متناهية، اتفاقية مع إسرائيل، وفى حضور أمريكا فى منتجع كامب ديفيد الرئاسي. كانت الاتفاقية التى ترجمت فى 26 مارس 1979 إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، فأنهت حالة الحرب، وعملت على إقامة علاقات، وانسحاب إسرائيل من سيناء التى احتلتها عام 1967، والبدء بمفاوضات لإنشاء حكم ذاتى للفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة.. هذه الاتفاقية، الأولى والثانية، ليست بمعزل عن نصر أكتوبر 1973 فى تلك الحرب الصعبة والمريرة التى خاضتها مصر بإمكانياتها الذاتية، واستطاعت تحطيم خط بارليف والعبور، وإعادة فتح قناة السويس، وهو أكبر أحداثنا وانتصاراتنا التى سوف نحتفل بمرور 45 عاما على هذا النصر العزيز الذى أعاد لنا مكانتنا الإقليمية والعالمية، وجعل مصر تتعامل مع عالمها الند بالند، فقد كان من المستحيل أن تخطو وتنتصر فى السياسة والمفاوضات وتحصل على كامل حقوقك، وأنت مهزوم، ما لم تفرض إرادتك العسكرية على الأرض. كان نصرا قرأت فيه أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما فى الغرب والشرق معاً، رسالة مؤداها أن المصرى لن يستكين أو يهدأ، وأرضه تحت الاحتلال، وأن مصر قادرة على المقاومة والاستبسال والقتال والانتصار، فكانت الحرب فاتحة الطريق للسياسة، ثم التحكيم بعد ذلك فى طابا حتى أمكن تأميم كامل حدودنا الوطنية فى عصرنا الراهن، وعالمنا الحالى، والذى تتحكم فيه، وفى إرادته قوة دولية، وإمكانيات هائلة، أثبتت قدرتنا على التعامل معها عسكريا وسياسيا وقضائيا. ثم أترك تلك الصورة وأحداثها المتعاقبة التى أكدت قدرة الوطنية المصرية على الانتصار وتحقيق الأهداف، وفى الوقت نفسه تجنب الحروب والكوارث، وأفهم وأدرك أن درس حرب اليمن فى الستينيات 1967 قد استوعبته مصر بالكامل. لكى أنتقل إلى جبهة الصمود والتصدى التى شكلها البعثيون العراقى والسورى، واستطاعت طرد مصر من جامعة الدول العربية، وهى الجبهة التى شكلها القذافى مع بعث العراقوسوريا، وأيدتهما اليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ثم تعليق وتجميد علاقات مصر العربية بين 1979 إلى 1989، لتمر الأيام ونرى أن صورة العرب ومنطقتهم أصبحت مفتوحة ومنتهكة، وتستطيع أن تقرأ المسرح العراقى والمسرح السورى والأرض المحروقة فى ليبيا من تلك الأحداث, والحرب الدائرة فى اليمن، ويجب ربط كل هذا بما حدث مع مصر فى تلك الفترة الصعبة التى أضعفت كل العرب، وهزمت الجميع، وفتحت خطوطهم أمام أعدائهم، وصولا إلى حرب الخليج الأولى والثانية التى أهلكت العالم العربي، وأضعفت المنطقة العربية فى محيطها الشرقى والعالمى كله. لا يمكن النظر إلى الأحداث التى مرت، وسببت اتساع رقعة الحروب كلها بدون العودة إلى الجذور، ومعرفة أن التحرك المصرى خلال فترة الحرب، وصولاً إلى السلام هو الذى استطاع الحفاظ على ما تبقى لنا من أرض نقف عليها، ونستطيع من خلالها مجابهة أى قوة، ولو كنا، لا قدر الله، تركنا أمور المنطقة فى يد البعث السورى والعراقى والقذافى وصالح، لضاع كل شىء. الشعب المصرى رفض الهزيمة، والضياع العربى الراهن، فتحركنا لكى نصنع السلام لكل أبناء دول المنطقة، ولكن تلك الرؤية تحتاج إلى تكاتف ووحدة الرؤية والاتفاق على المسار بين جميع العرب، سواء أهل المغرب أو المشرق أو الخليج، بعيدا عن التدخلات الأخرى التى لا تريد لعجلة الحرب والإرهاب والتطرف أن تتوقف فى منطقتنا. والكلام متصل.. لمزيد من مقالات أسامة سرايا