تبنت القيادة المصرية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى توجها جديدا فى السياسة الخارجية المصرية، يولى أهمية كبيرة للتوازن فى علاقات مصر الدولية، من خلال نظرة إستراتيجية للولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة والمشتركة، وتأكيد التزام مصر بشراكتها الإستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، وحرصها على تنميتها وتعزيزها فى مختلف المجالات، استنادا إلى الأهمية الإستراتيجية المتبادلة بين البلدين، حيث تربطهما علاقات قديمة تتميز بخصوصية شديدة تنبع من حجم المصالح المشتركة والتشابكات المختلفة التى تربط بينهما منذ القرن التاسع عشر.
وقد انعكست الرؤية المصرية الجديدة تجاه العلاقات مع الولاياتالمتحدة فى تصريحات ولقاءات الرئيس السيسى التى ركزت على أن العلاقات المصرية - الأمريكية هى علاقات إستراتيجية تقوم على ثوابت يحرص عليها الطرفان، وتأكيد تفهم الأمريكيين خلال السنوات الثلاث الماضية حقائق الوضع فى مصر وسياستها التى تتسم بالتعقل والتوازن والحرص على هذه العلاقات، وبالتأكيد فإن مستقبل هذه العلاقات جيد على ضوء أنه كلما يمر الوقت تتحسن الأمور، وأكد الرئيس اعتزاز مصر بعلاقات الشراكة مع الولاياتالمتحدة ومسيرة التعاون الممتدة عبر عقود، مشيرا إلى أهمية الارتقاء بتلك العلاقات إلى مرحلة جديدة تتناسب مع المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة وما تفرضه من تحديات ومخاطر، مرحبا بنتائج الحوار الإستراتيجى بين البلدين الذى عُقد خلال شهر أغسطس 2015، حيث عكست تلك النتائج حرص الجانبين على دعم الشراكة والتعاون بينهما فى مختلف المجالات. والجدير بالذكر أن العلاقات المصرية الأمريكية شهدت تطورا كبيرا خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين من خلال التعاون فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث عملت دبلوماسية الدولتين على إيجاد إطار مؤسسى يتسم بصفة الاستمرارية، وهو ما يُطلق عليه »الحوار الإستراتيجي»، لتحقيق التفاهم بين البلدين بمعزل عن التفاصيل اليومية لإدارة العلاقات المصرية الأمريكية. وجرت أول محاولة فى هذا المجال فى عامى 1988 و1989 بعقد جلستين فى القاهرةوواشنطن للتحاور حول القضايا السياسية الدولية والإقليمية على مستوى الخبراء من الجانبين، غير أن هذا الحوار توقف بعد الغزو العراقى للكويت. وفى يوليو 1998 تم إحياء فكرة الحوار الإستراتيجى بين الدولتين فى أول جولة للحوار فى واشنطن، ثم عقدت الجولة الثانية فى القاهرة فى ديسمبر 1998، تلتها الجولة الثالثة فى فبراير عام 1999 بواشنطن. ومع بداية الألفية الثالثة اكتسب الحوار الإستراتيجى بين مصر والولاياتالمتحدة أبعادا على درجة كبيرة من الأهمية، لخطورة تطور الأوضاع فى المنطقة وضرورة وضع قاعدة للمصالح المشتركة من خلال لقاءات وتشاورات مستمرة بين البلدين، وعدم الاكتفاء بلقاء واحد كل عام، ونظم هذه اللقاءات وزيرا خارجية البلدين، حيث تم التوصل إلى الاتفاق بشأن الإسهام الفاعل فى إرساء تسوية مقبولة للقضية الفلسطينية تراعى حقوق ومطالب أطراف النزاع، والتوصل إلى السلام فى السودان بدون الإخلال بوحدة السودان كدولة. وقد حرصت مصر والولاياتالمتحدة معا على تحديد ثلاثة أهداف كبرى لتعاونهما وهي: السلام والاستقرار الإقليمي، والتصدى للإرهاب، والإصلاح الاقتصادي. كما قررت الدولتان مجالات العمل المشترك والتى تتمثل في التحالف الإستراتيجي، بما يعنيه من تعاون عسكرى وتدريب ومناورات مشتركة وبرامج تسليح وتصنيع عسكرى ومحاربة الإرهاب، فضلا عن الالتزام بالسلام، بما يعنيه من تسوية سلمية للصراع العربى الإسرائيلى على جميع المسارات وتحقيق الأمن والاستقرار الوطنى والإقليمي. وكذلك تنفيذ برنامج وطنى مصرى للإصلاح الاقتصادي، بما يعنيه من مساعدات اقتصادية أمريكية ومن خلال المؤسسات الدولية، ووضع برنامج لعلاج خلل الموازين الخارجية والمديونية وعجز الميزانية، وتحديث البنية التحتية، وتحقيق معدل تنمية يزيد عن معدل الزيادة السكانية، وتعظيم دور القطاع الخاص، وضمان الاستثمار الوطنى والأجنبي.