كما يصاب الأفراد بالأمراض، تصاب أيضا المجتمعات بأمراض مشابهة، تؤثر على صحتها العامة، وتستنزف قواها ومواردها، وتهدد وجودها واستمرارها، وتحرمها من أمل الصعود والتقدم. «الهيموفيليا» أحد الأمراض الوراثية الخطيرة، ويسمى أيضا «النزاف»، حيث يستمر نزف دم المريض، ولا يتجلط بشكل طبيعي، لنقص عنصر من عناصر تجلط الدم، وتصاب المجتمعات ب «الهيموفيليا»، عندما تفتقد أحد عناصر «التجلط الاجتماعي» إذا جاز التعبير والذى يعنى التماسك. تتجلى أعراض «الهيموفيليا» الاجتماعية، عندما ترتفع «حوادث» الجريمة الاجتماعية والجنائية، وتصبح وقائع الحوادث صادمة ومفزعة، ويتعاطى الناس أخبار الانحرافات والفساد، مثل أخبار الطقس والرياضة، فيفقد المجتمع يقينه فى نفسه، ويتآكل رأسماله الاجتماعي. تتعدد أسباب الاصابة ب «الهيموفيليا» الاجتماعية، وتتمثل فى غياب عناصر الحماية من النزف، ويمكن أن نوجز هذه العناصر، فى غياب مفهوم حقيقى للمواطنة، وعدم قبول الآخر، وغياب الحريات والحقوق، وتدهور حالة التوافق العام، وانخفاض منسوب الثقة العامة. أحيانا تكون المجتمعات مصابة ب «الهيموفيليا» وتعانى النزف ولكن للأسف لا تدرك ذلك إلا متأخرا، وبعد أن يصبح الثمن فادحاً. فى الختام يقول.. صلاح عبد الصبور: «قد كنت فى مافات من أيام يافتنتى محارباً صلباً، وفارساً همام».