يتساءل البعض عن جدوى تنظيم بطولات رياضية للعمال فى مصر، وما العوائد التى تجنى من ورائها؟، والسؤال فيه تلميح إلى أن البطولات وممارسة الرياضة تهدر الوقت الذى ينبغى أن يكون للعمل والانتاج، غير أن هؤلاء تناسوا أن ممارسة الرياضة لها أهداف تختلف جذريا عن البطولات التنافسية، وأن هذه الممارسة غير مرتبطة بسن أو جنس أو لون أو عقيدة أو درجة وظيفية، لأن الفوائد التى تنتج عنها أكبر بكثير من أى نفقات تتكلفها، ومن هنا بادرت الدول فى كل البقاع إلى تأسيس اتحادات رياضية موازية للاتحادات الأوليمبية واطلق عليها اسم الاتحادات النوعية، أى المعنية بفئة محددة من الناس، تهتم ببناء أجسامهم وعقولهم من خلال ممارسة الرياضة والتثقيف، ومن هنا ظهرت الاتحادات الخاصة بالشركات والجامعات والمدارس والعاملين بالحكومة واللجنة الباراليمبية والمكفوفين. ومع تطور العصر عرفت مصر اتحادات نوعية تخصصية مثل الثقافة الرياضية والألعاب الإلكترونية والملاحة الرياضية، وكانت سباقة فى كل هذه الفروع من الاتحادات وسار على نهجها العديد من البلدان العربية والإفريقية، حتى باتت هناك كيانات لهذه الاتحادات على الصعيدين العربى والإفريقي، وأصبحت الاتحادات تلعب دورا كبيرا كقوة ناعمة بعدما دمرت الرياضة التنافسية وفى المقدمة منها كرة القدم. العلاقات الودية بين الدول الجارة والصديقة وحتى الشقيقة، بلغت حد اندلاع حروب كما حدث بين السلفادور والهندوراس، من هنا كانت فكرة الاتحادات النوعية ايجابية، ونجحت فى ازالة الرواسب التى خلفتها المنافسة على الألقاب أو بطاقات التأهل للمونديال والأوليمبياد مثلا، وقامت بدور القوة الناعمة التى اعادت التوازن للعلاقات وحافظت على المكتسبات الإنسانية المشتركة على الصعيدين العربى والإفريقي، لإنها تجمع رياضيين ومسئولين يقدرون للرياضة دورها فى التقارب ويؤمنون بقيمها التى تدعو للتسامح وتقبل الآخر وتدعو للعمل الجماعي. وقد قيد الله لمصر رجالا أوفياء نجحوا فى استشراف المستقبل، وعكفوا على تأسيس اتحاد رياضى للعمال والشركات بعدما انتشرت فى الخمسينيات من القرن العشرين الطفرة الصناعية بعد ثورة يوليو، والتى توجت ببناء السد العالى رمز الوطنية والتحدى للعامل والإنسان المصري، وكان الهدف من تأسيس الاتحاد هو بناء العامل بدنيا وتوعيته ثقافيا لينطبق عليه القول (العقل السليم فى الجسم السليم) وليكون قادرا على تحمل مهام وظيفته فى اى مصنع او شركة، يؤديها بالهمة الكاملة والنشاط الواجب، مايحببه فى عمله الذى يمنحه الفرصة لابراز مواهبه الرياضية أو الفنية، من هنا وجبت التحية لهؤلاء الرجال الذين تقدمهم محمد غانم، وانطلقوا يشجعون العمال على ممارسة الرياضية دون حدود لعمر، فكان أن استمر الكثيرون منهم فى الممارسة المنتظمة حتى بعد بلوغهم سن التقاعد، وقدموا المثل للجيل الحالى ومن سيلحق بهم، وهاهى بطولة الجمهورية للشركات الحادية والخمسين تجرى منافساتها فى بورسعيد ليس فقط على الصعيد الرياضى وإنما تمتد إلى اكتشاف المواهب الإبداعية فى الفن التشكيلى والتصوير الفوتوغرافى والسينمائي، إلى جانب مسابقات الشعر والقصة القصيرة ودورى المعلومات. وكم أسعدنى الحظ بحضور افتتاح الدورة بدعوة كريمة من الدكتور حسنى غندر رئيس الاتحاد الذى يقود مجموعة متميزة من الكوادر الادارية المحترمة، واستمعت لإشادة اللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد بالدورة وسعادته بإقامتها فى بورسعيد، مؤكدا أنها تحدث حراكا على كل الصعد خلال فترة اقامتها ورأيت كيف التف البراعم والطلائع والشباب حول الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة بعدما قدموا عروضا فنية تعكس حب الوطن وتدعو لتعزيز الانتماء إليه، وسعدت أكثر عندما علمت أن نحو 17 الف رياضى يمثلون 197 شركة ومصنعا وهيئة يشاركون فى البطولة التى ترفع شعار الكل فائز، فما يجمع المشاركين من صداقات تكونت عبر سنوات مشاركاتهم فى البطولة التى لم تتوقف على مدى نصف قرن من الزمان أكبر من الفوز بمباراة أو بطولة، وتأكد هذا المبدأ فى البرنامج الثقافى المنوع «الملعب الكبير» الذى شارك فيه ممثلون من مختلف الفئات السنية والمهنية وتضمن دورى معلومات كان شعاره الفوز بالمعلومة أهم من الفوز بالجائزة، ووجد البرنامج الذى احتضنه قصر ثقافة بورسعيد صدى كبيرا لدى الحضور الذين ملأوا جنبات المسرح، وأكدوا أن المجتمع بحاجة لتشجيعه على الإبداع بكل أشكاله، وأن تستمر الجهود فى بناء الإنسان الذى هو الثروة الحقيقية، لأنه هو الذى يبنى الاوطان، ولنا فى يد العمران التى تمتد فى كل جنبات الوطن شمالا وجنوبا شرقا وغربا البرهان، ومن هنا كان الاتحاد الرياضى العام للشركات موفقا باختياره العاصمة الادارية الجديدة ليطلق منها شعلة البطولة، ليعلن من خلالها اعتزازه بالعامل المصرى الذى يشيد مستقبل بلده ويعمر ارضها لتستوعب الزيادة السكانية وتفتح الآفاق للأجيال المقبلة، بعزيمة لا تعرف اليأس، وإرادة لا تعترف بالمستحيل. لمزيد من مقالات أشرف محمود