* العلماء: التصدى بالعلم والمعرفة لأفكار الملحدين * بحث مشكلات الشباب ووضع الحلول الملائمة لها
ظهر الإلحاد في المجتمع الإسلامي، وصار أشد جرأة وأشرس فتكا، وكشف عن وجهه القبيح ليقلق المجتمعات المطمئنة بالإيمان، ولا شك أن هذه هي قمة جبل الثلج التي تظهر لنا فوق- صفحة الماء وما خفي كان أعظم وأهول.. مما دعا فضيلة الإمام الأكبر إلي أن يقول إن أحد الأسباب الرئيسة لانتشار ظاهرة الإلحاد أن الشباب المسلم ليس علي خلفية فكرية علمية إسلامية تُمكِّنه من تقييم ما يُقال، خاصةً لو قيل هذا الكلام بلغة ميسرة للشباب، وراءها علماء نفس وعلماء تربية، ومؤسسات لها اعتمادات مالية ضخمة، موضحًا أن الشباب المسلم لا توجد لديه مناعة علمية ولا ثقافية، وبالتالي إذا ألحد فإنه يلحد عن اقتناع زائف، فالعلم والمعرفة هما حائطا الصد المنيع الذي يمكن أن يقف في وجه هذا التيار الإلحادي الذي بدأ ينهمر علينا من كل حدب وصوب. وأكد فضيلته أنه لا حَلَّ إلا نشر العلم الصحيح عن طريق التعليم في المدارس والأزهر والجامعات، ولابد أن يكون هناك مقرر جامعي لمادة علمية فلسفية تحمي ثقافة هذا المجتمع وأصوله الروحية والدينية، وفي الحقيقة هذا النوع من التثقيف غائب عن التلميذ في الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعة، وللأسف الشديد لا نجد أحدًا من المسئولين عن الثقافة وعن التثقيف وعن التعليم يضع في حسبانه أن الحملة الإلحادية الحديثة هي ضمن خطة تستهدف إضعاف الشرق الإسلامي، ومن ثَمَّ لابد أن يكون هناك علم، ولا بد أن تكون هناك فلسفة، وأن يكون هناك تدريس عميق لتراثنا العقلي والنقلي ليكون صمام أمان للشباب من الإلحاد، كما أنه لا بد من الحوار مع الملحدين. لماذا الإلحاد في بلادنا المتدينة؟ ويعترض الدكتور شريف الحسيني أبوفرحة، مدرب التنمية البشرية عما يسميه البعض »ظاهرة الإلحاد«، ويري أنها لا تعدو أن تكون حالات فردية طفيفة. ويرجع أسباب إلحاد البعض إلي عدم الاهتمام بالتربية الدينية السليمة منذ الصغر، والاكتفاء بشكليات العبادة، والانفتاح الزائد علي الغرب بكل ما يحمله لنا من ثقافات وأفكار ومعتقدات، تصل إلي شبابنا بل كبارنا دون فرز أو تنقيح. بالإضافة إلي حالة الثورات العربية خلال الأعوام السابقة والتي خلقت حالة من الرفض عند الكثيرين، فعبروا عن رفضهم بأشكال كثيرة، منها زيادة نسبة الطلاق، ومنها زيادة البطالة، ومنها ارتفاع الأسعار أحيانًا بسبب وأحايين دون سبب، ومنها التحرر من كل ما هو ديني، واللجوء للإلحاد للتعبير عن الشعور بالغضب علي كل موروث من الآباء والأجداد وكأنهم يقولون: وبم استفدنا مما تركتموه لنا؟! ويري الدكتور محمد عبدرب النبي، المستشار بوزارة الأوقاف: أن للإلحاد أسبابا ذاتية تتعلق بمن يحمل الفكر الإلحادي، وأسبابا أخري تتعلق بالخطاب الديني، أما ما يتعلق بالأسباب الذاتية فهو أن صاحب الفكر الإلحادي لا يحسن استخدام عقله، وإن كان يدعي العقلانية، فصاحب العقل السليم هو الذي يربط بين المقدمات ونتائجها، والأسباب ومسبباتها، إذ إن مهمة العقل أن يأخذ بصاحبه من المعلوم إلي العلم بالمجهول؛ فالعقل يقول إن لكل صنعة صانعا، كما أن العقل محدودة مداركه وليس بالعقل المطلق، والأصل في الملحد أنه يغلق عقله. ويتغافل صاحب الفكر الإلحادي عن النظر في آيات القرآن الكريم التي تدعو إلي التفكير وإعمال العقل من أجل المعرفة الحقة لله عز وجل. قال تعالي (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وقال النبي محمد صلي الله عليه وسلم: »قوام المرء عقله«. أما بالنسبة إلي الأسباب الخارجية فهو وجود الخطاب الديني الغيبي الذي ابتعد عن واقع حياة العباد، فمثل هذا الخطاب التبعي الاسترجاعي يصيب العقل الإنساني بالعطب والتعطيل فيقبل الخرافة والأساطير؛ مما يدفع صاحب هذا العقل إلي الاستجابة للفكر الإلحادي. أيضا من الأسباب الخارجية تقديم ثقافة دينية عنصرية صدامية كالحديث عن الشرق والغرب، دار الإسلام ودار الكفر، المسلم وغير المسلم. مع أن الخطاب المطلوب هو خطاب الناس أجمعين كما كان النبي محمد صلي الله عليه وسلم يقول »يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَي أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَي عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَي أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَي أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَي ..« ولذلك فإن الخطاب الديني اليوم يحتاج إلي رسم منهج تجديدي يقدم الإنسان علي البنيان، والوعي قبل السعي، والساجد قبل بناء المساجد. وعندما كرر السيد الرئيس الدعوة لتجديد الخطاب الديني ما كان يريد تكرار أوراق أو عبارات وإنما أراد صناعة عقول واعية وبناء إنسان صالح يحسن علاقته بالله صلاة وصياما وزكاة، كما يحسن علاقته بالمجتمع والناس في ضوء خلق العدل والإحسان، وكذلك يحسن علاقته بالكون والحياة.. يملك ضميرا حيا وقلبا محبا للإنسانية كلها. ويري د. عبد رب النبي أن علي المؤسسات الدينية أن تضع منهجا يحقق وجود الإنسان الصالح في الحياة وخطابا دينيا يحسن طرح فلسفة العبادة بكل مكوناتها. وعليها أيضا أن تقدم إجابات علي أسئلة الملحدين تجمع بين القراءتين »القرآن الكريم والكون«، وأن تجمع في إجاباتها بين الجدليات الثلاث: الغيب، والإنسان، والكون. مع مراعاة واقع الناس وصناعة مستقبل شريف. أما الدكتور عبد المنعم إبراهيم عامر، فيرجع الانتشار النسبي للإلحاد إلي أسباب عدة مجتمعة هي: اجتماعية ودينية واقتصادية وثقافية وسياسية وإعلامية ونفسية. أما بالنسبة للأسباب الاجتماعية فتنحصر في غياب دور الأسرة والمجتمع في تربية وتقويم وتوجيه النشء والشباب، فالأب ليس عنده المقومات الثقافية أو التربوية التي تسعفه في توجيه ابنه وربما كان الأب جاهلا بهذه الظاهرة أو مستبعدا قربها من ولده بصورة أو بأخري؛ فضلا عن غياب الرقابة الأسرية علي الصحبة ومواطن النزهة والفسحة التي ربما كانت بؤرا وخلايا لتنشيط هذه الظاهرة والدعوة إليها. أما الأسباب الدينية فيمكن أيضا حصرها في غياب المفاهيم الصحيحة للإسلام مع فتح الباب علي الغارب للذين يتبعون ما تشابه منه يلقون ما أرادوا من شبه لا تجد من يرد عليها الجواب الشافي. ومن الأسباب النفسية التي تدعو الشباب إلي الإلحاد تطلع الشباب إلي الحرية المغلوطة التي ليس لها سقف و لا حد ولا قيد إلا في الدين الذي يجده الشاب عائقا لهذه الحرية المغلوطة فيخرج منه ومن قيوده إلي عالم بلا قيود وهو عالم الإلحاد. ويقول الدكتور مصطفي مراد، أستاذ الأديان والمذاهب بجامعة الأزهر: إن الإلحاد قد ظهر قبل نوح عليه السلام، ومازال يزيد حتي ظهرت جماعة الدهرية التي حدثنا الله عنها فقال جل شأنه (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)، ثم استمر الإلحاد في الازدياد حتي بلغ أقصي درجاته في هذا الزمان. والعجب العجاب أن يظهر هذا في البيئة الإسلامية ويهرول وراءه جماعة من الشباب المنتسبين للإسلام. و لا يمكن بسهولة ويسر أن نحيط خبرا بأسبابه؛ لكن يمكن أن ترد هذه الأسباب والعلل إلي أمور، منها الجهل بالدين وعدم التعلم علي أيدي العلماء العالمين والدعاة المخلصين لاسيما أنه ظهر جماعة من المتعالمين وأدعياء العلم الشرعي ممن نعتهم النبي ب »الأصاغر«، فقال صلي الله عليه وسلم »إِن مِنْ أشراطِ السَّاعة أنْ يُلْتَمَسَ العلمُ عِنْدَ الأصاغِرِ«. فاقتدي الناس بهؤلاء الأصاغر وهجروا العلماء والدعاة الصادقين فوقع الخلط في الشبهات؛ مما أدي إلي سقوطهم في بحار متلاطمة في القضايا الفكرية التي لا يجيد السباحة فيها إلا إمام كبير أو عالم نحرير، وأشدها وأخطرها قضية القضاء والقدر، وقضية الأسماء والصفات، والقضايا الغيبية، ومنها البحث عن الحكم والعلل في المسائل التي لا تعلل كعدد ركعات الصلوات وأسرار الأعداد في أفعال الحج وغيرها، وقد نهانا الشرع عن الاقتداء بهؤلاء خاصة فيما يخالف أصول ديننا، فقال المصطفي صلي الله عليه وسلم »لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّي لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ«. وهذا قد رأيناه بأعيننا وكأنه صلي الله عليه وسلم يعيش في هذه البيئة التي نعيش فيها. ومنها الظروف الاقتصادية الشاقة علي كثير من الشباب لا سيما من لم يحسن التدبير والتفكير ولا يجيد البحث عن المهن والحرف والأعمال كما نري في كثير من شبابنا اليوم ممن يريد عملا معينا سهلا مريحا يضمن له الفوز بأعلي المناصب في الدنيا دون نصب أو وصب، لكننا لو نظرنا إلي العالم من حولنا لرأينا شبابا يستخدمون عقولهم وأفكارهم في تدبير الأعمال والتخطيط لها ولم يقفوا عند مهنة أو حرفة أو عمل خاص. ومنها أيضا اتباع وساوس الشيطان وعدم درئها أو سؤال الفاقهين في التغلب عليها. وقد سبقت الشريعة الإسلامية في الإشارة إلي هذا المعني فقال صلي الله عليه وسلم »لَا يَزَالُ النّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتّي يَقُولَ قَائِلُهُمْ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللّهِ وَلْيَنْتَهِ«. والنجاة من هذه العلل وغيرها يرجع إلي العودة إلي التعليم الشرعي الكامل المتكامل والتمكين للعلماء الأكفاء، ونشر الثقافة الإسلامية في كافة محاريب العلم، والبحث عن مشكلات الشباب والرد علي أسئلتهم ودحض شبهاتهم ودفع ضلالاتهم، والوقوف ضد مبتدع ضال ينشر الفكر الفاسد في عقول الشباب. وهذا كله لا يمكن أن يتم إلا بتكاتف الجهود من العلماء والدعاة والمربين ووسائل الإعلام ووزارة التعليم وميادين الفكر. والسكوت والتشرذم والتفرق حول هذا الخطب سيجر ويلات كثيرة علينا إن عاجلا أو آجلا.