قرارات متوالية ضد الهجرة اتخذتها الادارة الأمريكية، ودخلت بسببها فى نزاعات قضائية مع عدد من المحاكم التى نظرت فيها وأبطلت بعضها، فأعيد إصدارها فى صيغة أخري. المهاجرون، وفق السياسة الأمريكية الحالية، هم مصدر الشر دائما أو فى أغلب الأحيان. أكثر من مليونى إنسان يعيشون فى الولاياتالمتحدة مهددون بالطرد بسبب هذا الموقف الحاد الذى يثير دهشة كثير من الأمريكيين، قبل غيرهم، لأنهم يعرفون أن الولاياتالمتحدة قامت أساساً على أكتاف المهاجرين، بل لم يكن ممكناً أن توجد على الخريطة دون الهجرة التى غيرت مناطق عُرفت فى القرن الخامس عشر بالعالم الجديد تغييراً جذرياً. حولت الهجرة هذه المناطق، التى كانت بدائية، إلى دول متفاوتة فى تقدمها، وصارت الولاياتالمتحدة أكبرها وأكثرها تطوراً لأنها لم تضع قيوداً أمام مهاجرين إليها على مر تاريخها إلا لضرورة قصوى للغاية، بل سنت تشريعات ووضعت نظماً تساعد على جذب عقول صنعت نهضتها. كان المهاجرون، الذين لم يتوقف توافدهم على الولاياتالمتحدة، هم مصدر القوة التى تتمتع بها اليوم. ولذلك يخشى الأمريكيون الذين يعرفون تاريخ دولتهم أن تؤدى القيود التى تُفرض على الهجرة إلى حرمانها من أهم مصادر قوتها، وبالتالى إضعاف قدرتها على الاحتفاظ بالمكانة التى بلغتها، بل يسأل بعضهم: ماذا يبقى من الولاياتالمتحدة إذا استمرت الحواجز التى توضع أمام المهاجرين، وازدادت؟ والسؤال منطقى تماماً لأن الولاياتالمتحدة دولة مهاجرين منذ أن وصل كريستوفر كولومبوس إلى سواحل أمريكا الجنوبية عام 1492، ثم إلى أمريكا الشمالية عام 1498، بل استمدت المناطق التى تضم الأمريكتين اسمها (أمريكا) من الرحالة الإيطالى أمريجو فيزبوفتشى لأنه أول من فهم أن هذه المناطق تعد قارة جديدة0 فقد كان الاعتقاد السائد قبله أنها امتداد للقارة الآسيوية. ولذلك أُطلق اسمه، أو بالأحرى كُنيته وهى أمريكوس، على ما كان عالما جديداً حينئذ فى خريطة مارتن فالدسميلر عام 1507 تكريما له. فماذا يبقى بالفعل من دولة مهاجرين فى ظل سياسات تحول الهجرة التى قامت عليها إلى خطر يهددها، وتغفل أن الحضارة الحديثة قامت على مقومات كانت الهجرة واحدة من أهمها. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد