الأبحاث والدراسات عن الأحوال المائية العربية متعددة وغزيرة، تستحق الاهتمام وتدعو إلى القلق. نشير من بينها إلى أمور خمسة: الوضع المائى العربى بالواقع والأرقام، ثم موارد المياه، والحصص، والأمن الغذائي، ثم التحديات ونزاع الأنهار أولا: تشير الحقائق والأرقام إلى أن الوطن العربى يضم عشر مساحة اليابسة إلا أنه يحتوى على أقل من 1% من الجريان السطحى للمياه، و2% من إجمالى الأمطار ويقع ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة، وتحتل الصحارى 43% من إجمالى مساحته. بلغت أعداد الدول العربية الواقعة تحت خط الفقر المائى (أقل من ألف متر مكعب للفرد سنويا)19 دولة، منها 14 دولة تعانى شحا حقيقيا فى المياه.عجز الموارد المائية وصل إلى 127 مليار م3. رغم ذلك لا يستغل العالم العربى من موارده المائية البالغة نحو 338 مليار م3 سوى 50% فقط والباقى معرض للهدر والضياع. ثانيا: الحصص: بلغ نصيب الفرد فى الوطن العربى من المياه عام 1960 نحو 3430 م3 تناقص عام 1990 إلى 1430 م3، ويتوقع أن يصل عام 2025 إلى 667 م3. التنبؤات المستقبلية تشير إلى أن هذا المستوى سوف يستمر فى الانخفاض وأن أكثر من نصف الوطن العربى سوف يصبح تحت خط الفقر المائي. يضاف إلى ذلك احتمالات تناقص كميات المياه التى ترد من الخارج بسبب بعض الخلافات مع دول الجوار المشتركة معها فى مصادر هذه المياه، والتى تمثل 50% من المياه المتاحة عربيا. ثالثا: مصادر المياه فى العالم العربي. مياه الأنهار وأهمها: نهر النيل، دجلة والفرات، الأردن.حيث يوفر نهر النيل 56 مليار م3، والفرات 28 مليار م3، ودجلة 38 مليار م3. 35% منها تأتى عن طريق الأنهار من خارج المنطقة. المياه السطحية المتاحة حاليا تبلغ 127.5م3 سنويا تحوز ثلاثة أقطار عربية على نحو 71% منها هى مصر والعراق وأسوان وإن كان الأمل أن يزيد ما هو متاح حاليا عن طريق مشروعات الرى والسدود. الأمطار: معدل هطول الأمطار بالوطن العربى بين 5و450 م3 سنويا، فى حين يتراوح فى أوروبا مثلا بين 200 و 3000 م3 سنويا. معظم الأمطار فى حوض السودان والقرن الإفريقى وموريتانيا 40% منها تهطل شتاء فى المغرب العربى والشمال الإفريقي. المياه الجوفية حيث يقدر مخزون المياه الجوفية فى العالم العربى بنحو 7734 مليار م3 يتجدد منها سنويا 42 مليارا ويتاح للاستعمال 35 مليار م3. وتوزع المياه الجوفية على ثلاثة أحواض كبيرة هي: حوض النوبة بين مصر وليبيا والسودان ويمتد إلى شمال تشاد وتصل مساحته إلى نحو 1.8 مليون كلم مربع ويقدر حجم مخزون هذا الحوض بنحو عشرين ضعفا من الإمدادات السنوية المتجددة فى العالم العربي، حوض العرق الشرقى الواقع جنوب جبال الأطلس فى الجزائر، حوض الديسى ويقع بين الأردن والسعودية. رابعا: الأمن الغذائى لاتتجاوز مساحة الأراضى القابلة للزراعة فى الوطن العربى سوى 197 مليون هكتار، وهو ما يعادل نسبة 14.1% من مساحته الكلية. وتشير الإحصائيات إلى أن المساحة الزراعية الكلية فى المنطقة العربية وصلت عام 2000 نحو 70 مليون هكتار فقط، ويعنى ذلك أن نحو ثلثى الرقعة الأرضية القابلة للزراعة غير مستغلة لأن الطاقات والموارد اللازمة للتوسع الأفقى فى الأراضى المزروعة -وأولها المياه-غير متوافرة. وبما أن من يملك غذاءه يملك قراره فإن هذه المشكلة لها عواقب سياسية وخيمة. خامسا: المشكلات والتحديات - الزيادة السكانية: يشير إحصاء تقديرى لتعداد السكان فى العالم العربى 2030 زيادة تقدر بثلاثة أمثال ما كان عليه 1990. - تزداد المشكلات بسبب تناقص المياه فى العالم وفى العالم العربي، ومن أبرز الأمثلة بحر الجليل الذى يواجه مشكلة حقيقية ستظهر بوضوح بعد نحو خمس سنوات فهو ينخفض بشكل ملحوظ والملوحة تهدد مياهه ومنابعه. - وجود منابع المياه الرئيسية خارج المنطقة العربية، حيث إن ثمانى دول مجاورة للدول العربية تتحكم بأكثر من 85% من منابع المياه الداخلية التى أصبحت مهددة بسبب إنشاء مشروعات مائية تشكل تعديا على الحقوق العربية فى المياه المشتركة. - 67% من مياه الأنهار فى البلدان العربية دولية أى تمر بأكثر من دولة.ويمكن تصور ما يحدث من مشكلات إذا قامت دول الجوار بمشروعات تنموية كبيرة أو أقامت سدودا بهدف زيادة مواردها. - تزايد الطلب على الماء نظرا لتزايد الاحتياجات الإنسانية والتنموية. وعدم وجود أو - تقادم - الاتفاقيات الدولية التى تنظم العلاقة بين دول المنابع غير العربية المجاورة ودول المصب العربية. وعدم الالتزام بقرار الأممالمتحدة سنة 1997 الذى ينظم العلاقات بين الدول التى تشترك فى الأنهار أو بالتقاليد والأعراف الدولية المستقرة لمدة 300 عام. والإهدار والضياع وغياب ثقافة الترشيد سواء فى العمل الحكومى وقراراته أو فى سلوك الأفراد. هذا الواقع والمشكلات التى تنبع منه أوجد بيئة تجعل من ندرة المياه فى العالم العربى أحد أهم الأخطار التى تهدده فى المستقبل غير البعيد. ولعل أخطر هذه التحديات هى المتعلقة بالنزاع والصدام حول المياه، سواء بين الدول العربية وبعضها، أو مع جيرانها ومن يشاركونها المياه وقيام ما يعرف باسم «حروب المياه» أو صدام الأنهار خاصة أن هناك احتمال قيام نزاعات إقليمية بين الدول العربية التى تمر بها نفس الأنهار. مثلا يمر نهر النيل بمصر والسودان وتشترك الأردنوسوريا ولبنان وفلسطين فى نهر الأردن، كما تشارك سورياالعراق فى نهر الفرات. هذه الحقائق الصارخة تتكلم وتدعو العرب إلى التجاوز عن الخلافات والصغائر والتنافس والخصام والاهتمام بالأمور الجوهرية مثل قضية المياه، ولكن إذا كانت الآذان لا تسمع والعيون لا ترى والقلوب لا تشعر والعقول لا تفهم، كان الله فى عون أى منطقة يسودها الجفاف مائيا أو أخلاقيا أو سلوكيا، ويحمى شعوبها من صراع مائى له حديث قادم. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا