السطور التالية لا تستهدف بث اليأس فى نفس القادم الجديد إلى منصب محافظ العاصمة التى نعانى من عشوائيتها والتى باتت تمثل واقعا مؤلما لنا جميعا وبالتأكيد يعانى منها هو نفسه باعتباره أحد مواطنيها!. بعد 24 ساعة من أدائه اليمين محافظا للعاصمة اختار اللواء خالد عبد العال أصعب مناطق القاهرة -ميدان السيدة عائشة- ليكون أولى جولاته ليتفقد أعمال التطوير الجارية فيه لتحويله إلى ميدان نموذجى يليق بمكانته وأهميته، حيث يتوسط موقع تراثيا سياحيا مهما ويحيط به عدد من المزارات السياحية. واقع الأمر أن الميدان يعد نموذجا لما يجرى فى شوارع العاصمة من عشوائية حركة المرور التى تضم جميع وسائل النقل عدا المراكب الشراعية إذ تتجمع أتوبيسات النقل العام وسيارات النقل والميكروباصات والسيارات الخاصة وبالقطع التوك توك- فى وقت واحد بما يشبه أسراب الذباب حول طبق العسل!. غير أن الميدان يضم أيضا أغرب كوبرى يصل بين الحياة والموت ويعد أكبر منافس لمثلث برمودا الشهير بمثلث الشيطان -بين برمودا وبورتريكو فى المحيط الأطلنطي- والذى تُنسج حوله الأساطير قصصا مرعبة عن اختفاء السفن والطائرات التى تمر فى مجاله مثلما تختفى السيارات التى تمر من فوق ذلك الكوبرى بعد أن تسقط فوق مواطنين ينتظرون الميكروباص أو على سيارة تمر من تحته, وهذه مسألة نصيب, إلا أنه يبدو أن الحكومه تصر على الابقاء عليه باعتباره أكبر إنجاز لمواجهة زيادة النسل!، مواطنون كثيرون, وأنا من بينهم, يرون أن هذا الكوبرى يعتبر نموذجا ناجحا لنظرية ربط المشروعات بالبيئة المحيطة بها بمعنى أن من يمر فوقه بسيارته فيسقط بها من فوقه.. ليُنقل إلى مسجد السيدة عائشة للصلاة على جثمانه ثم يعبرون الشارع به لدفنه فى مقابر الإمام الشافعى إذا كان مسلما وهو ما يستوجب بناء كنيسة صغيرة لضحايا الكوبرى من إخواننا المسيحيين ليكتمل المشروع و«أهى دنيا.. وكلنا لها»!, وعلى الرغم من المشروعات العملاقة للطرق والكبارى والأنفاق الجديدة التى أصبحنا نراها فى كل مكان فأنه يتبقى ما يصيب المواطن فى الشوارع القديمة بالعاصمة إذ أننى لا أنفرد بذلك الشك الذى يشير إلى أن هناك اتفاقا بين وزارة النقل وأجهزة المحافظات المحلية وبين أصحاب المستشفيات الخاصة وتجار قطع غيار السيارات والكاوتش وربما أيضا الحانوتية!. وقبل أن نتحدث عما يحدث على بقية الكبارى وفى شوارع القاهرة فلنتفق مبدئيا على ان كل ما يمتلكه المواطن أى مواطن يشكل فى النهاية ثروة قومية لا يصح أبدا لأحد ان يبددها سواء عن عمد أو نتيجة سوء تصرف.. ومن هنا فإن ما يمتلكه المواطن من وسيلة مواصلات أيا كان نوعها سيارة.. موتوسيكل.. أو حتى دراجة يدخل فى هذا الإطار. فما يحدث فى الشوارع عندنا ليس له أى مثيل فى أى مكان من العالم فقد أصبحت معظم الشوارع والطرق أشبه بتلك المصايد أو الحفر المموهة التى ينصبها ساكنو الغابات الإفريقية لاصطياد فرائسهم.. حواجز اسمنتية تقطع الطريق بصورة فجائية يزرعها أى مواطن سواء امام مدخل بيته أو المحل الذى يمتلكه.. حتى باعة الجرجير والليمون يقيمونها أمامهم فربما يجبرون بها مواطنا عابرا على الشراء منهم! غير أن مايحدث فى واقع الحال ان ذلك المواطن لا ينتبه إلى بضاعتهم وهو يتفحص الأضرار التى أصابت سيارته بعد ان يصب لعناته على من أقام هذه الحواجز. هذا بالنسبة للمطبات التى يقيمها الأهالى ولكن ماذا نفعل فى مطبات الحكومة وأقصد هنا, دون أى همز أو لمز, تلك النتوءات الحديدية التى ترشقها الحكومة عند مدخل أى نفق أو مطلع أى كوبرى !. وربما يكون نفق شارع الطيران بمدينة نصر أبرز مثال على تلك المأساة فهناك نحو 6 أو7 صفوف من هذه النتوءات «مغروزة» فى مدخله أو مخرجه.. فمجرد أن تمر بسيارتك مرة وسترى ما سيحدث لك. فإن أفلت من الشلل الرعاش الذى ستصاب به بسبب اهتزاز الدريكسيون فى يدك, فلن تنجو من حالة الارتجاج فى المخ التى ستصيبك إضافة إلى تفكيك سيارتك ..وكل هذا فى مدخل نفق واحد فقط من بين عشرات الأنفاق بالعاصمة!. وقبل ان يحمل البريد ردا من جانب الجهة المسئولة عن زرع مثل هذه الكمائن فى الطرق يوضح أهميتها فى الإقلال من الحوادث أقول إن مثل هذه المتاريس تؤدى إلى زيادة الضحايا بعد أن يضطر قائد السيارة إلى الوقوف فجأة لمحاولة القفز بسيارته من فوقها بعد أن يكتشف وجودها إذ أن اغلب هذه المتاريس لا يتم دهانها بلون فوسفورى يميزها فى الشوارع المظلمة وما أكثرها.. وإذا أصر القائمون على إقامة تلك الحواجز أو هذه النتوءات الحديدية فإننى اقترح عليهم زراعة ألغام فى الشوارع فذلك افضل لهم فهى اكثر تدميرا سواء للسيارة أو ركابها.. وكان الله فى عون المحافظ الجديد!. لمزيد من مقالات عبدالعظيم درويش