ساعات معدودة ويهل المشهد العظيم لوقوف الحجاج على جبل عرفات وحيث تتجدد روعة الوقفة والمعنى وأيضا آلام وأوجاع أمة لم تتعلم من دروس وعبر الحدث العظيم.. بل تزداد كل يوم تراجعا وغيا واستغراقا فى نذر وعلامات الاضمحلال والضعف والاستذلال.. سيرة ومسيرة أيام الأندلس الأخيرة تتجدد وعدو فى القلب منها يتمدد ويتسرطن ويجد أدواته وأعوانه فى جماعات وإرهاب يصنع من الدين والجهالة غطاء.. لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك.. لبيك لا شريك لك!! وهل يرفع الدعاء إلا العمل والإبداع وإعمال العقل والإتقان وتفوق العلم وعدم العيش عالة على إنتاج وإبداع وعقول وعمل كل من أدركوا أن العمل والإنتاج والاعتماد على الذات وإقامة العدل والرحمة والإنسانية هى قلب وجوهر الإيمان!! وسط الألم أعترف أننى عشت الأسبوع الماضى ما استدعى قدرا من السعادة والاطمئنان وكثيرا من المشاعر التى طال غيابها وأنا أشهد افتتاحات الرئيس لمجموعة مهمة من المشروعات القومية تمثل نموذجا للمشروعات القادرة على صناعة تغيير حقيقى وانطلاق وازدهار للحياة.. والأخطر والأعظم أن تحدث فى الصعيد لتعلن بدايات جادة ونفذ الكثير منها بالفعل لرد الاعتبار لأبنائه بعد سنوات طويلة من الإهمال وعدم المبالاة بهم وباستحقاقاتهم الأصيلة والمبدئية فى الحياة وما تمثله من اعجازات هندسية وقدرات بشرية متميزة ومتفوقة سواء فى قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية واعتبرها الخبراء أكبر مشروع مائى على نهر النيل بعد السد العالى وما يحققه من تحسين الرى فيما لا تقل عن 20% من الأراضى المزروعة والتى تمتد فى محافظاتأسيوط والمنيا وبنى سويف والفيوم والجيزة ويستفيد منها ما يزيد على مليون فلاح وتوليد ما قيمته السنوية 100 مليون جنيه من الكهرباء وبالطبع توفر الآلاف من فرص العمل للشباب وأيضا افتتاح 25 بئرا جوفية بالوادى الجديد.. بالإضافة إلى المد الحضارى والثقافى الذى يمثله افتتاح متحف سوهاج وما تلا ذلك من افتتاحات لمجموعة من أضخم المشروعات فى محافظة بنى سويف وفى مقدمتها المجمع الصناعى لإنتاج الأسمنت والرخام الأكبر فى الطاقة الإنتاجية بمصر والشرق الأوسط. أن تدب الحياة والعمل والإنتاج فى الصعيد فهو أخطر إعلان بأن مصر جديدة تولد بالفعل وأن مصر تتغير بأفعال وانجازات لا بشعارات أو آمال بأجنحة ملونة وأن هذه المساحات الشاسعة من خريطة مصر تعود جاذبة للحياة وأن تتوقف هجرة أبنائه للعيش على هوامش المدن الكبرى وأن تتوقف زراعة التطرف والإرهاب التى وجدت مع الموت والفقر والتخلف والبطالة والمرض أفضل بيئة حاضنة.. إنك مع مشروعات أخرى تستطيع أن تختلف.. فليس مهما أن تجد فى العاصمة الإدارية أكبر برج فى إفريقيا فكل أبراج الدنيا لن تصارع عظمة وابداع الهرم، ولكن مع مثل ما حدث ويحدث فى الصعيد لايمكن أن تختلف مع العائد والنتائج التى ستطرحها.. لفتنى حديث الرئيس باستفاضة عن عائد الجدوى الذى يجب وضعه فى انجاز المشروعات القومية والتى مثلت مشروعات الصعيد أفضل تقدم لملامح مصر القادمة ومن هنا أتوجه بالدعوة لإيقاف اتخاذ إجراءات اقتصادية جديدة والتراجع عن بعض ما اتخذ واكتوى الناس بناره وكان يمكن تأجيله وبالتحديد للملايين التى أكدت مرارا أنها تمثل الظهير والأرصدة الشعبية لدولة 30/6 ويجب رسم سياسات واتخاذ اجراءات تخفف العواصف الاقتصادية التى اجتاحت حياتها واطمئنانها وأرصدة صبرها وقدرتها على صناعة الحياة مهما اشتدت وقست الظروف. أعترف أننى أمام المشروعات الكبرى والمهمة على مستوى ما تم افتتاحه فى محافظات الصعيد وما فى الطريق من مشروعات زراعية أحس بالخوف والقلق أن يكون مصيرها مصير مئات المشروعات المهمة والكنوز والثروات الطبيعية التى تمتلئ بها مصر التى دمرها الإهمال وأداء مسئولين لا يبالون بواجباتهم ومسئولياتهم ولفتنى توجيه الرئيس للمحافظين ومسئولى الأمن والمحليات بما يجب أن يكون بدهيات وأولويات ودواعى استمرارهم فى مناصبهم، وفى رأيى أن خطورة ما حدث ويحدث لم يعد يكفيه توجيهات وإنما يحتاج إلى قوانين تحاسب وتراقب وتوقع أقصى العقوبات على كبار المسئولين عن كل فساد أو تقصير أو إهمال فى مسئولياتهم.. هل كل ما نعيشه من كوارث إهمال وفوضى وعشوائيات إلا حصاد هذا الأداء المخل والمؤسف الذى لم يواجه بحسم وبالقانون كل خروج عليه.. ضاعت أراضينا الزراعية واضطررنا للخروج للصحراء بكل تكلفة الزراعة فى الأراضى الجديدة وضاعت وتلوثت البحيرات وخربت الطرق وامتلأت بأكوام القمامة وتحولت كل أرض فراغ إلى خرائب تسكنها القوارض والكلاب المسعورة والضالة!! هل يوجد بلد يحدث فيه ما أشرت إلى القليل جدا منه فى وجود مسئولين جادين يديرون بأمانة منظومة مسئولياتهم؟! إنقاذ مصر مما وصلت إليه لم يعد يكفيه توجيهات ويحتاج إلى قوانين مشددة تحاسب وتوقع أقصى العقوبات وتنهى اختيار وتعيين قيادات تقود إلى انهيار وتجريف وتدمير ما تبقى صامدا ومقاوما من امكانات وثروات المصريين. من لم يزر صعيد مصر لا يمكن أن يعرف حجم جرائم الإهمال والتخلف التى أرتكبها من تولوا المسئولية عنه!! أيضا من لم يزر الصعيد لا يمكن أن يعرف روعة الصفاء والنقاء والدماثة والأصالة والحكمة التى تملأ أبناءه ووسط مجموعات كتب أجد كتيبا صغيرا من تأليف ابن أخميم ومؤرخها السيد أبوضيف المدنى وجزءا من مقال لى نشر بالأهرام فى 2/10/1997 (هذه هى الرحلة الثانية إلى هناك بدعوة من ورثة الأصالة والعبقرية وزخم التاريخ إلى مؤتمرهم السنوى للثقافة والفنون.. إنهم يقاومون الإهمال والتردى بالالتصاق بالفكر والابداع الذى كانت أرضهم مهدا له..وقد شرفت بالتكريم وسط أبنائهم وضيوفهم من المبدعين وتأكد لى إحساسى من أول زيارة إليها أنه قد لا يكون مسقط رأسك ولكن كل محب للفن وللحضارة والخير والجمال لابد أن يحس بانتماء وأنه بشكل ما عاش أو نزل من قبل هناك.. هل الدماثة ودفء الأصالة والحفاظ على القيم فى غير تزمت مقيت.. وإشعاعات الحضارة تصنع مغناطيسا حاويا للعقول والقلوب.. يجرى كل هذا فى عروقك بدماء أخميمية تذكرك بجزر النور الوارثة والحافظة والتى مازالت تمتلئ بها مصر.عاش الصعيد وحافظ على الموروث الحضارى والثقافى رغم عظيم الألم والتجريف والحرمان فهل يستطيع الاحياء والنمو والتنمية بالمشروعات الكبرى أن تحرر وتطلق القوى الكامنة فيه وتحوله إلى قاطرة تقود الحاضر والمستقبل لاستعادة ما ضيع ودمر وجرف.. أثق أن جزر النور الوارثة والحافظة مازالت قادرة على أن تحقق معجزات فى حياة هذا الشعب. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد