منذ اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى زيمبابوى التى جرت الأسبوع الماضى وأسفرت عن فوز الرئيس الحالى إيمرسون منانجاجاوا-75عاما-، والجميع فى حالة ترقب تحسبا لما ستسفر عنه تطورات المرحلة المقبلة بعد الأحداث الدرامية التى رافقت هذه الانتخابات، وهى الأولى من نوعها التى تجرى بعد رحيل موجابى عن السلطة فى نوفمبر الماضى. فبعد يوم انتخابى هادىء أنعش الآمال بأن زيمبابوى على أعتاب مرحلة جديدة من الهدوء والاستقرار والتطلع للمستقبل ونسيان الماضى بكل تعقيداته ومشاكله، بدأت الأحداث تأخذ منحنى تصاعديا بسبب الاتهامات المتتالية التى وجهها زعيم المعارضة الشاب نلسون شاميسا -40 عاما- لخصمه وللجنة الانتخابات بتزوير النتائج والتلاعب بإرادة الناخبين، الأمر الذى تسبب فى حدوث احتجاجات سقط على اثرها 6 قتلى وعدد من المصابين، وهو ما ألقى بظلاله على العملية الانتخابية برمتها، واثار المخاوف من أن تنزلق البلاد فى موجة من العنف، خاصة فى ظل اصرار تشاميسا على رفض الهزيمة،واعتزامه التوجه إلى القضاء لحسم هذا النزاع. وفى الوقت الذى اعتبر فيه بعض المراقبين أن النتيجة تعد منطقية كون منانجاجوا الذى تولى السلطة العام الماضى بعد ازاحة موجابى هو المرشح الأوفر حظا فى مواجهة المعارض الشاب، فإن تقلص الفارق بين المرشحين قبيل الانتخابات أنعش آمال المعارضة بأنها يمكن أن تكسر سيطرة حزب «زانو اف.بى.» الحاكم على السلطة منذ عام 1980، وبأن المعارض الشاب الذى دفع لقيادة حركة التغيير الديمقراطى بعد وفاة زعيمها التاريخى مورجان تسفانجراى الغريم التقليدى لموجابى يمكن أن يمثل الوجه الجديد للبلاد ويجسد القطيعة مع النظام السابق. ولعل هذا هو السبب الرئيسى فى حالة الرفض والممانعة التى قابلت بها المعارضة نتائج الانتخابات. وهنا يشير المراقبون إلى أنه فى الوقت الذى يعتبر فيه البعض منانجاجوا استمرارا بشكل أو بآخر لنظام موجابى، خاصة أنه كان وجها سياسيا معروفا خلال حكمه، بل اتهمته المعارضة مرارا بأنه العقل المدبر وراء الاعتداءات التى طالت عددا من رموزها بعد انتخابات عام 2008، الا أن الواقع يشير إلى أن الملابسات التى أحاطت بإزاحة موجابى عن السلطة وتولى منانجاجاوا المنصب مؤقتا لحين اجراء الانتخابات كلها توضح أن الاثنين لم يعودا على وفاق، وهو أمر اعلنه موجابى صراحة حينما أكد قبل الانتخابات أنه لن يعطى صوته لمن خانه. ودعمه اتهام منانجاجوا مؤيدى موجابى بأنهم العقل المدبر لعدد من محاولات الاغتيال التى نجا منها. ومن هنا كان حرص منانجاجوا خلال حملته الانتخابية على التبشير بعهد جديد من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وبجلب الاستثمارات الغربية مرة أخرى للبلاد بعد عقود من العزلة الدولية لانعاش الاقتصاد الذى دمرته الاجراءات الكارثية لسلفه، وفى سبيل ذلك سمح للمرة الأولى منذ 16 عاما بدعوة مراقبين غربيين للانتخابات، بل أتاح لهم الفرصة للتجول فى أنحاء البلاد للتأكد من سير عملية الاقتراع. ومن ثم جاء تمسكه بالنتائج التى أعلنت فوزه بنسبة 50٫8% مقابل 44% تقريبا لزعيم المعارضة، كما أكدت فوز حزبه الحاكم فى الانتخابات البرلمانية ب 144 مقعدا مقابل 64 مقعدا لتحالف المعارضة ومقعد واحد فقط لحزب الجبهة القومية الذى يضم عددا من الشخصيات المقربة من موجابى. وفى مقابل حالة التمسك برفض الهزيمة التى يصر عليها شاميسا، يبدو الرئيس الجديد ماضيا فى طريقه، حيث سارع بعد اعلان فوزه بكتابة تغريدة على حسابه الشخصى على تويتر شكر فيها المواطنين ودعا للوحدة والسلام وبناء زيمبابوى جديدة تتسع للجميع، مؤكدا أنه رغم الانقسامات فانهم لابد أن يتحدوا فى أحلامهم، بل إنه مد يده بالسلام لزعيم المعارضة معتبرا أنه سيلعب دورا محوريا فى حاضر البلاد ومستقبلها، وهى دعوة ربما تحتاج لبعض الوقت لتقبلها المعارضة. وهنا يشير المحللون إلى أن حالة الجدل والخلاف حول نتيجة الانتخابات لها ما يبررها، فقد رصدت بعثات مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبى عدة سلبيات تمثلت فى عدم الثقة فى مفوضية الانتخابات بسبب بعض التصرفات التى اعتبرت انحيازا لطرف دون آخر، فضلا عن تأجيل إعلان النتائج وهو ما تسبب فى حالة من البلبلة حول صحة النتائج. وهو ما اتفق معه جزئيا بعض المراقبين الافارقة الذين رصدوا انحيازا من قبل بعض وسائل الإعلام الرسمية وكذلك فى عمل مفوضية الانتخابات، بالرغم من تأكيدهم أن العملية الانتخابية كانت منظمة والتزمت إلى حد كبير بالقانون. وهى ملاحظات اعترفت المفوضية بصحة بعضها خاصة تلك المتعلقة بتأخير إعلان النتائج ما تسبب فى حالة القلق ثم الاحتقان التى تلت ذلك. ومع كل هذه التطورات فقد طرحت الانتخابات التى شهدت اقبالا كبيرا بلغت نسبته 75% العديد من التساؤلات والتحديات الخاصة بالمستقبل سواء للرئيس الفائز أو المعارضة المهزومة، كان أهمها على الاطلاق تلك المتعلقة بقدرة الرئيس الفائز على الإمساك بدفة الأمور والعمل على منع الانزلاق نحو مزيد من العنف، ولعل تعهده بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتحديد المسئولية عن إطلاق النار على المحتجين العزل ستكون الخطوة الاولى فى هذا الطريق، خاصة أنه سبق وأدان محاولة منع عقد مؤتمر صحفى لزعيم المعارضة وكتب فى تغريدة أن مثل هذه التصرفات ليس لها مكان فى حاضرهم الجديد. أما التحدى الآخر فيتعلق بمدى التزامه بالوعود التى قطعها على نفسه فى مجال اصلاح الاقتصاد الذى يشكل الهاجس الأكبر للمواطنين بعيدا عن التجاذبات السياسية، خاصة وأن الاقتصاد يعانى من ارتفاع معدلات التضخم وزيادة نسبة الفقر وارتفاع معدلات البطالة إلى نسب قياسية، وأخيرا إظهار قدرته على مواجهة المسئولين عن التجاوزات التى أسفرت عن سقوط قتلى فى الاحتجاجات التى أعقبت الانتخابات وأيضا على مواجهة خصومه من داخل الحزب الحاكم من الحرس القديم فى نظام موجابى. أما المعارضة فينبغى عليها اجراء مراجعة شاملة للوقوف على أسباب الهزيمة وهو أمر بدأ بالفعل حيث تحدث بعض قادة الحزب عن الحاجة لتعلم الدروس لتحسين الأداء فى المستقبل فضلا عن إدانة تشاميسا السلوك العنيف لبعض مؤيديه، وهو أمر يشير لوجود مزيد من الأصوات المعتدلة فى كلا الجانبين، رغم الانقسامات التى يبدو أنها مازالت سيدة الموقف فى الوقت الحالى.