وصلت جماعة الإخوان لمستوى خطير بالولايات المتحدة, فقد تسربت كعادتها داخل الهيئات واخترقت مؤسسات وكونت لوبيات، وكأنها فى وارد معاكسة مشروعها بعد سقوطها فى المنطقة العربية، وبدلًإ من الانطلاق من الشرق لغزو العالم، صار الغرب حاليًا هو مركز ومنطلق مشروع التمكين. فى الكونجرس نواب يصرخون منذ العام 2014م مرورًا بمشروع قانون 2017م الذى شارك فيه تيد كروز ومايك بومبيو وزير الخارجية الحالى، وانتهاء بتوصيات لجنة الأمن القومى قبل أيام، وجميعها تطالب بحظر الإخوان التى تشكل خطرًا على الأمن، القومى وتدعم التطرف والإرهاب، وتهدد مصالح أمريكا، لكن بلا فائدة، وبدون اتخاذ إجراء عملى. كلام عبد الموجود الدرديرى أحد قادة الجماعة الإرهابية الهاربين بالخارج على إحدى الفضائيات الممولة من قطر تعقيبًا على بيان لجنة الكونجرس الأخير يلخص المشهد, فهناك جماعة تزيف حقائق الواقع والتاريخ، وهناك شخصيات غربية وأمريكية واقعة تحت تأثير الوهم ومنهم تحت تأثير المال. قال هذا المُدلس المُسن: إن جماعة الإخوان ديمقراطية، وذنبها أنها تم انتخابها وكونت أغلبية وأنها تمثل الإسلام الديمقراطى وتسعى لتأسيس دولة مدنية، وعلى طول تاريخها لم ترتكب عنفًا، ومن يعاديها ويصنفها إرهابية هى أنظمة ديكتاتورية قمعية معادية للديمقراطية. ينبغى مخاطبة الغرب والأمريكيين على مستويين, الأول إطلاعهم على حقائق التاريخ والواقع حتى لا يسهل على أشباه الدرديرى التلاعب بعقولهم عبر قلب الحقائق وتزييف الواقع، والمستوى الثانى نقل ما من شأنه التعريف بكيفية التعامل مع جماعة نجحت بالفعل فى تنفيذ جزء من خطتها فى التوغل داخل مجتمع ما. لايعى الأمريكان ممن يعطون آذانهم للدرديرى وأشباهه بأن هدف النشاط الإخوانى الخبيث منذ نشأة الجماعة هو إعاقة اكتمال مشروع الدولة المدنية الحديثة التى تضم أحزابًا ليبرالية ووطنية وتحمى التجانس المجتمعى، على خلفية طموحات الانتصار لنموذج الدولة الدينية ومشروع الخلافة العالمية. يزعم الدرديرى كاذبًا بأن الأصل التاريخى لهذا الملف مرتبط بالصراع بين الشرق والغرب، طارحًا جماعته كممثل عن العرب والمسلمين، وأنها كطرف فاعل فعلاقتها بالغرب تتراوح بين المد والجذر فتقوى حينًا وتضعف حينًا؛ فى حين أن البعد التاريخى الفعلى ممتد لثورة 1919م، واعتماد قوى خارجية على الإخوان لضرب الوحدة المصرية بشق أيديولوجى طائفى. هذه القوى أفزعتها وحدة المصريين من مسلمين ومسيحيين على أهداف مشتركة ومصير مشترك، ليس فقط من جهة النضال السياسى بل الحضارى، فقد اكتتب الشعب عندما بدأ المشروع النحتى الذى بدأه الفنان محمود مختار بعد عودته للحجر الجرانيت، ليتفرغ الفنان لمشروعه ويوفر مادة إبداعه. وجاء فى المادة الخامسة من برنامج الحزب الوطنى المصرى الذى صاغه الإمام محمد عبده : الحزب الوطنى حزب سياسى لا ديني, فإنه مؤلف من رجال مختلفى العقيدة والمذهب وجميع النصارى واليهود، وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها منضم إليه. ولذا هاجم قادة جماعة الإخوان ثورة 1919م التى خيبت آمال الطامعين, متعللين بأنها سعت للتسليم بالأمر الواقع، وأن رموزها لم يحرصوا على رد الناس إلى أصول نهضتهم، إنما كان همهم فقط «كسب الاستقلال». لم تسع جماعة الإخوان فى مصر فحسب لإضعاف الأحزاب الوطنية ذات الصبغة المدنية، إنما لإضعاف أى تيار سياسى أو ثقافى قوى على الساحة لكونهم يستهدفون السلطة بمفهومها السياسي, ودأبت الجماعة على زرع الفتنة بين المسلمين والأقباط، وهى التى احتوتها النخبة الوطنية المصرية عبر تدشين كيانات سياسية تجمع بين الناشطين والسياسيين الأقباط والمسلمين، فعكفت على مدى العقود الماضية بالتعاون مع تيارات سلفية ومسلحة وتنظيمات سرية على تنفيذ خطط تدمير إنجاز الوحدة العصية على الاختراق منذ 1919م إلى الآن والذى حققته النخب المصرية الفكرية والسياسية والتيارات الوطنية المصرية ومؤسسة الجيش. الجماعة التى أفتى مرشدها الخامس مصطفى مشهور فى العام 1997 بوجوب حرمان الأقباط من الالتحاق بالجيش، وتحصيل الجزية، زاعمًا أن وجود عناصر مسيحية فى الجيش المسلم سيسهل اختراقه، عبر ممالأة هذه العناصر للعدو، هى التى تحالفت مع داعش والقاعدة قبل وأثناء وبعد عزلها عن السلطة لقتل الأقباط ومحاربة الجيش والاستيلاء على سيناء ومحافظات الصعيد وإقامة دولة دينية بإمارات موزعة على قادة الفصائل. ما جرى بداية من 1919م، مرورًا بأحداث ما بعد ثورة يوليو 52م، وتاليًا أحداث الثمانينيات والتسعينيات، ثم أخيرًا أحداث السنوات العشر الأخيرة، وما انتهينا إليه من عزل الجماعة وأمراضها عن الجسد المصرى، مفاده وصف اللورد كرومر قديمًا لوحدة المصريين أقباطًا ومسلمين كونها عصية على التفتت. ليس لدى الأمريكان هذا الوعى بتاريخ الجماعة وخططها وأدواتها وأهدافها النهائية، ولا وجود لرؤية موحدة ووحدة مجتمعية ونخبوية للتعامل مع خطر الجماعة فى الداخل الأمريكى، لذلك سيقضون المزيد من الوقت مع إرهابها، فيمَ نواب الكونجرس يصرخون والدرديرى يُدلس. لمزيد من مقالات ◀ هشام النجار