على مدار الأسابيع الماضية تحولت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى لمنصات لتشجيع المنتخب المصرى ثم ما لبثت أن أصبحت غالبيتها بعد مبارياته الثلاث قواعد للتحليل العشوائى الجارح وتبادل الاتهامات وتصفية الحسابات شارك فيها كل من «هب و دب» والقليل من أهل الاختصاص!. الحقيقة أن تداعيات غياب النقد الواعى للبحث عن جذور المشكلة لمعالجتها الذى تحول لسمة فى مختلف قطاعات حياتنا يطرح قضية غياب مفهوم النقد والبحث عن المتخصصين لتقديم تقييم حقيقى لأى منتج سواء أكان رياضيا أم فنيا أم علميا .. ولعل فيما قدمته البرامج الحوارية وما ورد على شبكة التواصل الاجتماعى عن الدراما الرمضانية ما يوضح الأمر..فاستكمالا لمسلسل غياب النقد الموضوعى والدعاية لأعمال درامية بعينها، واصلت عدة برامج المسيرة خلال أيام عيد الفطر وما بعده، فلم تستفز فقط جمهور المشاهدين الذى اضطر لعدم وجود بديل للجلوس صاغرا أمام شاشات أغرقته بإعلانات تخللها مقاطع مبتورة من عدة سيناريوهات تم تفريغها من مضمونها بسبب الاقتباس المخل أو منطق القص واللصق والمط لاستكمال الثلاثين حلقة، بل أيضا أصابت عددا لا يُستهان به من الفنانين والكتاب الذين تم تجاهل أعمالهم أو ظهورها على استحياء فى ذيل قائمة الأعمال بالإحباط والشعور بالغبن ، ولم تضف لأصحاب تلك الأعمال ما يرتقى بأعمالهم القادمة لغياب النقد الموضوعي.. والحقيقة أن العلاقة بين المبدع أيا ما كان مجاله والناقد تعد مصداقا للمثل المصرى الدارج: «لا بحبك ولا بقدر على بعدك!فهى فى تشابكها وتعقدها تعكس ما يدور فى واقعنا من توجس وتنافس على قمة،التربع عليها أو السقوط من عليائها مرهون بكلمة . وفى مجال الثقافة، بقدر ما يسع المبدع للوصول للناقد ونيل رضاه بقدر ما يشعر بمظلومية لأنه يدرك أن ثمة عوامل قد تتداخل لتؤثر على تقييم الناقد،أقلها مشاكل الوسط الثقافى المعروفة للعاملين به والمتابعين له،وربما اختلاف منظوره عن رؤية الناقد القادرعلى أن يمنحه صك الاعتراف أو أن يطرده من جنته ويحول عمله إلى أشلاء وكأنه يعاقبه لأنه حاول أن يبدع! يفاقم هذا الشعور حالة من الاستعلاء والرفض لا يجاهر بها المبدع باعتباره صاحب العمل الذى بدونه لن يجد الناقد مادة يعمل فيها أسنانه وقلمه! . فى المقابل يواجه الناقد أكثر من إشكالية لعل التى أهمها ضمير القاضى فى مواجهة بيئة غير مواتية سواء من حيث كم ونوعية المنتج الفني، تفرض تناقضا بين ذائقة نقدية واقع ثقافى جديد تحكمه آليات أشبه بتلك التى تحكم سوقاً تجارياً، لا علاقة لها بالإبداع! .. وفى ظل هذا المناخ تبدو العلاقة بين المبدع والناقد أشبه بحرب باردة قد تشتعل فى أى لحظة لمجرد إبداء الرأى أو توجيه قد يفيد المبدع فى أعماله القادمة ويصبح من المستحيل أن يتقبل المبدع كلمة الناقد اللهم إلا إذا كانت ثناءً وتقريظا مبالغاً فيه لعبقرية يندر أن يجود بها الدهر ! على جانب مواز فإن إهمال تعريف مفهوم النقد ووظيفته سواء من حيث استنطاق العمل الإبداعى أو تسليط الضوء على عناصره ودلالاته وجمالياته أدى للخلط بين الانطباعات الشخصية والذائقة الخاصة وبالتالى انحسار النقد المتخصص وغياب الأصوات النقدية القادرة على استجلاء كل عناصر العمل الفنى وتقييم العمل الإبداعى بما يثرى وجدان المتلقى والمبدع نفسه. ولعل فى استعادة الوجه الحقيقى للعلاقة بين النقد والإبداع ما قد يعفينا مستقبلا من «الولولة» على انحدار الذوق العام وتراجع المستوى الفنى أو تراجع ملكة الابتكار والإبداع فى كل مجال. فوضوح المفهومين ووظيفتيهما كفيل بالارتقاء بالفكر وبالأداء وبالتبعية بالإبداع وتفادى الاحتفاء المبالغ فيه لبعض قليل والتجاهل أو النقد القاسى لبعض أكبر أو تعمد تقييم بعض آخر من منظور لا علاقة له بالنقد أو الإبداع، كما شهدنا فى الأيام الماضية. لمزيد من مقالات سناء صليحة