من الرسائل التي استوقفتني کثيرا في کتاب "55 مشکلة حب" للدکتور مصطفي محمود، رسالة من فتاة صغيرة، توضح لنا السر وراء معاناتنا بالحياة، وهو ببساطة أننا نفتقد إلي الحب، قد نأخذ الأمور بحساسية وعلي محمل شخصي، مما يدفعنا إلي القسوة والعنف، لأننا فقط بحاجة إلي الاهتمام والحب. وهذا ما عبرت عنه الفتاة الصغيرة في رسالتها قائلة: أشعر بالحب تجاه کل الناس، وأخي كان مثلي وهو صغير، ولكنه أصبح جافاً جامداً لا يؤمن بالعواطف.. وأبي وأمي أكثر منه جفافاً، وأقل منه إيماناً بالحب، وهم يقولون لي إنّ كل شيء في الدنيا مصلحة ، وإنّ كل واحد في الدنيا يجرى خلف منفعته. وتساءلت الفتاة في الرسالة قائلة: ماذا يحدث للإنسان حينما يكبر ليفقد حنانه وحبه وإيمانه بالإنسانية؟. لماذا يصبح الناس أنانيين حينما يكبرون، ما السبب؟ وبدأت تجيب هي عن أسئلتها ببساطة وتفهم، قائلة: من تجاربي البسيطة أميل إلى أنّ السبب هو عدم كفاية الحب والحنان الذي نبذله للناس في هذه الدنيا، أنا مثلاً عندما أظهرت لأبي، الذي كان عصبياً قاسياً، حناني وأبديت له حبي بدلاً من خوفي، وجدته يتحوّل إلى إنسان رقيق غاية في الرقة، ورأيته يفعل المستحيل ليحقق لي رغباتي، ولاحظت أنه بدأ يضبط أعصابه حتى لا يبدو أمامي قاسياً. كذلك أمي عندما حاولت التفاهم معها بدلاً من العناد، وجدتها تحاول أن تفهمني وتسمح لي بكثير من الحُرّيات، وعندما أعددتُ العشاء لإخوتي الساهرين في الخارج وكتبت لهم تحية المساء على ورقة، طبعوا على خدّي قُبلة وأنا نائمة، وفي الصباح لم يتعاركوا معي علي المصروف. وأردفت الفتاة متسائلة: ما رأيك؟.. أليست المُشكلة كُلّها هي مشكلة حاجتنا إلى الحُب؟، أم أنّي صغيرة كما تقول أمي ولا أفهم في الدنيا؟. وکان رد الدکتور مصطفى محمود رحمة الله عليه على الرسالة: أنتِ لستِ صغيرة أبداً، رُبما كنتِ صغيرة في السن، ولكنك كبيرة في القلب والعقل، أكبر منّا كُلنا، لقد استطعتِ بفطرتك الصافية، أن تدركي سرّاً كبيراً من أسرار الدنيا، إن الإنسان يبدأ حياته يتدفق بالحب والحنان والتفاؤل والثقة، ثم يجف هذا النبع العاطفي في قلبه كلما كَبُرْ، ويتحوّل مع الزمن إلى أناني لا يُحس إلا بمصلحته ولا يجري إلا خلف منفعته، والسبب أنّ أحلامه الصغيرة وعواطفه الصافية تصطدم مرّة بعد مرّة بما يُخيّب أمله، ويزلزل ثقته في الدنيا وفي الناس. ولکن القلب الكبير لا يحدث له هذا الجفاف، لأنه يجد في نفسه القُدرة على بذل الحنان دائماً مهما حدث له، ومهما تلقى من صدمات. وبهذه القوّة وحدها يسترد حُب الناس الذي فقده، ويسترد ثقته في الدنيا، وهذا هو ما حدث لك مع أبيك وأمك. إن مشكلتنا جميعاً هي كما تقولين في خطابك حاجتنا إلى الحب. [email protected] لمزيد من مقالات نهى الشرنوبي;