في كل مكان تاريخي تجد بناءً مميزا يظهر كعلامة دالة على المكان فما أن تراه حتى تعرف المكان مباشرة. وفي القاهرة القديمة يظهر مسجد السلطان برقوق أول سلاطين دولة المماليك الجراكسة، فبالرغم من بقية التحف الإنشائية العملاقة الممثلة في بقية مباني شارع المعز الأثرية مثل مجموعة السلطان قلاوون والمدرسة الكاملية والقبة الصالحية وسبيل محمد على ومسجد الأشرف برسباي وغيرها من المباني الخالدة التى لا تزال تتلألأ في قلب القاهرة مكانا وزمانا، إلا أن مسجد برقوق بقبته العملاقة ومئذنته المميزة، يبدو هو المعلم الأكثر بروزا والدال على المكان. وهذا البناء وضع أساسه السلطان سيف الدين برقوق في سنة 786ه (1384م)، حيث عهد إلى الأمير جركس الخليلي بمتابعة عمليات البناء التي تمت بمعرفة شهاب الدين أحمد الطولوني أشهر مهندسي العصر المملوكي والشهير ب"معلم المعلمين"، والذي أتم البناء في عامين ليصبح أول بناء في دولة المماليك الجراكسة بالقاهرة في شارع النحاسين بمنطقة بين القصرين، التى صارت اليوم هي قلب شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يمتد بين بابي الفتوح وزويلة مشكلا الشريان الرئيسي للقاهرة القديمة. والبناء ضخم مهيب ولكن ضخامته لا يمكن أن تشعرك بالضآلة ولا يداهمك وأنت تمر تحتها، شعور «القزمية» البغيض الذي يمحق ذاتك مع أبراج العمارة المعاصرة التى تسد أبواب السماوات في وجهك، لكن قبة برقوق لا تكتفي بفتح السماوات أمامك بل ترقى بك وكأنها صارت «براشوت» عملاقا يحمل روحك إلى أعلى نقطة في سماء القاهرة، ويعيد إليك ثقتك بنفسك مع خطواتك في الشارع الذى تنافس الزمان والمكان على إخراجه للوجود فى واحدة من أبهى صور التاريخ.