كان يفترض أن يكون يوما مشهودا فى تركيا الأردوغانية، هذا الذى وافق مرور ثمانى سنوات على ما وصف « مذبحة مافى مرمرة للمساعدات الإنسانية» ففيه وهذا وفقا لخيال الحكم الجامح « حتما سوف تكتظ الميادين بآلاف المتعطشين للثأر من الأوغاد الصهاينة ، أو على الأقل أن يحل جمع غفير فى تلك الساحة الواسعة من تقسيم الشهير يوجهون التحية ل « زعيمهم المفدى الذى حطم غرور نيتانياهو وأجبره على تقديم اعتذار ودفع التعويضات ». غير أن الحادى والثلانين من مايو المنصرم ، مر مساؤه كما نهاره بلا صخب ، ودون أن يرج قلب إسطنبول الذى لم يعد نابضا، بشعارات الشجب ، كان الأمل طاغيا فى صيحات تندد ببربرية البحرية الإسرائيلية التى هاجمت سفينة بلادهم «المسالمة» أمام سواحل غزة وتقتل تسعة من مواطنيهم أنهم شهداء غدر الاحتلال، ومع الأسف لم يحدث شىء من هذا القبيل، مع العلم أن سلطات المدينة قدمت الدعم اللازم لانها كانت شغوفة بنجاح الفاعلية النضالية، وجاء الإعلام بكاميراته للرصد والتغطية لكن الرياح جاءت بعكس المأمول، وهكذا فشل القائمون عليها فى استجداء من يؤازرها فظهرت فقيرة العدد بيد أن صيحاتهم ضاعت وسط ضجيج أبواق العابرين. الغريب أن السلطات كان يحدوها رجاء أن تغطى حادثة مرمرة على إحتفالات من نعتوا بالخونة بذكرى خمس سنوات على تظاهرات الغضب المدوية المناوئة لطموحات « الباديشاه الجديد» ، والتى كان مسرحها نفس المكان وامتدت لعشرة أيام من يونيو 2013، ولكن هيهات فرغم التدابير الأمنية وعشرات السواتر الحديدية مدعومة بمئات من الجنود المؤججين بالعتاد استطاع المئات التجمع والسير فى مسيرات تلفها صور من سقطوا دفاعا عن الحرية وعلمانية الجمهورية الكمالية نسبة إلى مؤسسها أتاتورك. تلك المشاهد كان من شأنها إثارة فزع الحكم وزيادة أوجاعه خاصة مع اللعنات التى تنهال عليه من مناوئيه الذين صاروا كثيرين ، هؤلاء بدورهم ولأنهم أصبحوا على يقين أن البساط ينسحب من تحت قدميه ، طرحوا سؤالا مركزيا ماذا لو خسر أردوغان هل يعترف بهزيمته ؟ صحيح أنه اتخذ جميع الاحتياطات لضمان فوزه ، بدءا من ترسانة التعديلات القانونية والدستورية التى مهدت بل وشرعنت التزوير مرورا بالاستحواذ الكامل على مفاصل الدولة ومؤسساتها الخدمية وفى القلب منها الاعلام وإجهزة المحليات انتهاء بوأد أى تكافؤ للفرص مع المنافسين، إضافة إلى تشويههم باعتبارهم خونة أو متواطئين أو إرهابيين فالمعارضة فى أدبيات أردوغان ما هم إلا “ فريق الهدامين” لأن هدفهم الوحيد هو إسقاطه، ولذلك حرص على أن يزرع مشاعر الخوف والقلق فى قلوب أنصاره وربط مصيرهم بمصيره حتى لا يقولوا له أبدا كفى. ومع هذا يظل هناك احتمال يقوى يوما بعد آخر أن يخسر أردوغان فماذا سيكون الموقف؟ بعبارة أخرى “ماذا لو تمكن مرشح الشعب الجمهورى أن يحرز نصرا ساحقا لا يملك أردوغان أمامه فعل شيء للطعن فيه؟ وبالمناسبة وطبقا لما ذهب إليه مراقبون أن هذا ليس عصيا مع الأخذ فى الاعتبار “ معاناة الكثير من الأتراك بمختلف توجهاتهم السياسية نتيجة تدهور أوضاعهم الحياتية وعجز الكثير منهم عن سد احتياجاتهم المعيشية ، كما تقوم منظمات المجتمع المدنى بتنظيم دورات تدريبية للمواطنين حتى يصبحوا مؤهلين لأن يكونوا مراقبين فى الانتخابات”. فى المقابل هناك من يرى أن أردوغان لن يقبل بنتائج تقول «إنه خسر فبعد كل ما فعله يخسر، هذا هو المستحيل بعينه ولا يمكن قبوله، فهو ومريدوه ينتظرون بفارغ الصبر هذا اليوم الذى سيحصدون فيه ما زرعوه على مدار الأعوام الماضية لذلك لا يمكن توقع أن يسلم حزب العدالة والتنمية أو أردوغان منصب الرئاسة لشخص آخر، خاصة فى ظل تمتع الرئيس القادم بسلطات لم يسبق لها مثيل. كما أن فقدان الرئاسة ليست خيارا لكل من أردوغان وحزبه لأن كلا منهما لديه الكثير ليخسر. فعلى سبيل المثال، إذا خسر حزب العدالة والتنمية قدرته على توجيه موارد الدولة وثرواتها لصالح قاعدة أنصاره، فسيكون من الصعب عليه الحفاظ على دعمهم» كما أن «فقدان السلطة قد يؤدى بالتالى إلى خطر فقدان الحرية والحصانة لبعض قادة حزب العدالة والتنمية، بمن فيهم رئيسه ، لأنهم سيواجهون على الأرجح اتهامات بالفساد. ويمكن رؤية ذلك بوضوح فى ردود الفعل الغاضبة من أنصار المرشح الرئيسى للمعارضة فى الانتخابات الرئاسية عندما وعد “ أردوغان بتقاعد غير مريح، وهو موقف ينبئ بوضوح أنهم يبغون العدالة، إن لم يكن الانتقام» ونظرا لحجم كل هذه المخاطر، يعى أردوغان وحزبه أن انتخابات 24 يونيو هى انتخابات وجودية لكليهما وبالتالى من الصعب توقع خروجا سلسا منهما حتى لو كانت النتيجة تشير بشكل قاطع إلى فوز المعارضة، وفى هذا السياق يمكن ملاحظة أن أردوغان كلف أتباعه بوجوب العمل على الحيلولة دون إسقاطه، مثلما حدث عندما خرجوا إلى الشوارع لإحباط محاولة الانقلاب ضده فى يوليو 2016. ويقال إن هناك مخططا جاهزا بالفعل لعدم الاعتراف بالنتائج مكون من سيناريوهين: “ الأول،الادعاء بان عناصر تابعة لتنظيم الداعية الدينى فتح الله جولين وبالتنسيق مع منظمة حزب العمال الكردستانى الانفصالية ومن خلال الخلايا النائمة لكلاهما فى مؤسسات الدولة بما فيها الهيئة العليا للانتخابات ومديريات الأمن استطاعت اختراق اللجان واستبدال الصناديق. والسيناريو الثانى ، الضغط على المحكمة الدستورية أن تبت فى المذكرة التى قدمتها المعارضة نفسها والتى طالبت فيها الحكم بعدم دستورية التعديلات التى أدخلت على قانون الأحزاب السياسية وذلك بالقبول وبالتالى تبطل الانتخابات” وثمة أمر آخر محتمل يدور الحديث عنه فى الكواليس السياسية ويبدو أنه الأكثر خطورة ؛ ألا وهو ما تردد من مزاعم حول محاولة اغتيال المرأة الحديدية زعيمة حزب الخير والمرشحة للرئاسة ميرال أكشنار، وإلى جانب ذلك ثمة ما يتردد من مزاعم باحتمالية حدوث بعض التطورات المشابهة بما حدث عقب انتخابات 7 يونيو 2015 التى خسرها حزب العدالة والتنمية، كذلك ثمة مخاوف من أن تنفذ أعمال انتحارية، واغتيالات سياسية، وهجمات إرهابية تستهدف الأحزاب واللقاءات الجماهيرية والمرشحين، وهو ما يعنى إشاعة مناخ من الرعب والفوضى، وإندلاع أعمال شغب فى الشوارع، ومن ثم يكون إلغاء الانتخابات لأسباب أمنية أمرا لا مناص منه!! وإذا دعا أردوغان “الأمة” (التى هى مجموع مناصريه ) إلى عدم الإعتراف بما ستسفر عنه عملية الاقتراع ، فمن المرجح أن يلبى المتشددون لحزبه أوامر زعيم الأمة، خاصة فى ظل شعورهم بالفعل بالارتياب إلى درجة الجنون من وجود مؤامرة دولية كبيرة للإطاحة بالرئيس من السلطة.