كيف تتصور السلطة الفلسطينية أن تتحصل على نتائج إيجابية سريعة حول طلب الإحالة الذى تقدَّمت به إلى المحكمة الجنائية الدولية، والذى يستهدف محاكمة وإدانة المسئولين الإسرائيليين على كل جرائمهم عبر أكثر من نصف قرن؟ فكيف يمكن للمحكمة، حتى إذا افترضنا تحررها من أى محاولات ضغط وعرقلة، أن تبتّ «دون تأخير»، كما جاء على لسان بعض المسئولين الفلسطينيين، فى الطلب الفلسطينى الذى يوسِّع مدى التحقيق المطلوب ليطال جميع جرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل فى الضفة الغربيةوالقدسالمحتلة وقطاع غزة منذ العام 1967! وأضاف مسئول آخر بأن المطلوب التحقيق فى الجرائم المستمرة التى ترتكبها إسرائيل التى وقعت فى الماضى والحاضر، وأى جرائم تقع فى المستقبل! فهذا، كما تري، قبل أن يُلقِى بمسئولية تستغرق أعواماً من المحكمة، بفرض أنها يمكن أن تنهيها، فهو يضيف أعباء لا قبل لأحد بها على كاهل السلطة الفلسطينية، بأن تقدم الأدلة الثبوتية والشهود العدول عن كل اتهام توجهه فى مئات الجرائم التى وقعت فى هذه الفترة الزمنية الممتدة! فأى مجهود يتخيله مقدمو طلب الإحالة؟ وكيف يكون حجم ملف الدعوي؟ وكم من الوقت تأخذه المحكمة فى النظر وسماع دفاع المتهمين، بفرض أنهم قبلوا المثول أمامها..إلخ؟! ثم إن المحكمة معنية بمحاكمة أفراد، فكيف تبت فى أمر الجرائم القديمة التى رحل مقترفوها؟. هذا الطرح يُسعِد إسرائيل، لأنه لا يمكن أن يُفضِى إلى أى نتيجة عملية ضدها، ولأنه يُبدِّد فرصة تحقيق إنجاز سياسى لصالح الفلسطينيين، كان يمكن أن يتحقق إذا حُصِر الأمرُ فى الجريمة الأخيرة التى أقترفتها بقتل المتظاهرين السلميين العزل المحتجين على فتح سفارة لأمريكا فى القدسالمحتلة. ولما كان يصعب تصور أن تسهو السلطة الفلسطينية عن بديهيات بهذا الوضوح، فهل هى مناورة لأهداف أخري؟ وهو احتمال وارد، خاصة مع استعادة تذكر موقفها الذى أثار استغراب العالم عندما سحبت تقرير جولدستون من مناقشات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو التقرير المتوازن الذى وجَّه، فى جانب منه، اتهاماً قوياً لإسرائيل عن جرائمها الأخطر فى غزة عام 2008، والتى راح فيها 1285 شهيداً، منهم نحو 900 مدني!. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب