يتردد أخيرا بعض تصريحات ترى أن التدخل العسكرى العربى فى سوريا أمر محتمل. الرجاء أن يظل هذا فى حيز حرب التصريحات السياسية لأنه عند التنفيذ - ينطوى على عدة محاذير يعرفها أرباب السياسة العربية جميعا أن التدخل الآن يثير إشكاليات أكبر من الأزمة الحالية التى يمكن أن تتحلحل بالمفاوضات والحوار المباشر بحثا عن حل سياسى يشارك فيها العرب بقدر مشاركة غيرهم قد يؤدى الى حلول وسط مهادنة تقبلها كل الأطراف العربية بما فيها سوريا، والأطراف الاقليمية الداخلة فى الصراع الحالى (تركياوايران واسرائيل)، والقوى الكبرى المتداخلة سياسيا أوعسكريا دون جدليات استراتيجية عالمية تُدخل الشرق الأوسط جزءا منها. هذا التهادن يعطى للسوريين فى الداخل فرصة الاتفاق, دون اللجوء للسلاح, على مستقبل يرتضونه يُبقى كيان الدولة ويُعيد فاعليتها الاستراتيجية كخط دفاع عربى شمالى (يضم العراق ولبنان والأردن) يحمى ويؤثر مباشرة على التوجهات السياسية العربية العامة من دول الخليج واليمن الى مصر والسودان وليبيا وشمال افريقيا. أسئلة كثيرة تطرأ على الفكر إذا كان للتدخل شروط مبدئية كالتالى: أولا : هل سيتعامل التدخل بحياد مطلق مع كل اطراف الصراع على الأرض السورية؟ وحتى فى حالة التدخل المحايد لن يسلم من معارضة بعض اطراف الصراع ومن ثم تقل فرص عدم الانحياز فهو امر وارد لاختلاف اجندات الصراع بين مطالب قصوى لا يرضيها سوى الوصول الى الحكم مقابل اصحاب اهداف وسطى تسعى لتقليل فداحة خسائر ملايين الناس على الأرض وفى المهجر، وهو حساب عسير لرد اعتبار وطن ومواطنين. ثانيا : إذا كان التدخل لمصلحة قوى معارضة ضد أخرى أو ضد استمرار الدولة الحالية فى سوريا، فإن هناك محاذير عديدة اولها أن لكل قوى مخططا وتمويلا وتسليحا من داخل وخارج سوريا تلتزم بتنفيذه قوى محلية بالوكالة عن المانحين سواء كانت الخطط الخارجية داعية لتقسيم جديد لدول المنطقة أم فقط الاطاحة بالنظام الحالى. هل هى مخططات صراع مذهبى أم صراع سياسى دولى أكبر من سوريا والعرب تتداخل فيها مطامع اقليمية تمثلها العثمنة التركية والماضوية الفارسية؟ ثالثا: يكفى القول إن داعش الذى زعم انه دولة الخلافة السنية ما كان مقدرا له هذه القوة والمساحة الكبيرة من أراضى العراقوسوريا لولا المساعدات اللوجستية التركية والدعم الاخوانى وخلفيات سياسة أوباما الأمريكية وتمويلات مجهولة المصادر من اجل تغيير الخريطة السياسية لهذا الجزء من عالم العرب. هدف داعش كغيره من تنظيمات معارضة تعمل بالوكالة للقوى الخارجية هو الاستيلاء على مزيد الأرض والناس والموارد سواء تأذى السنى قبل الشيعى أو المسلم قبل المسيحى، تمهيدا للحصول على نصيب من الأرض حين تشكيل سياسى جديد مشرذم . لكن واقع الأمر أن هذه الأهداف مجرد مُكون جزئى زمنى من مُكون استراتيجي غربى ممتد زمنا فى صراع القطبية العالمية مع روسيا والصين، يأخذ ما يمكن اخذه اليوم بنظام «التجزئة» الذى ينتهى بنظام «الجملة» لاقليم كامل غدا! رابعا : أدت العناصر الخمسة الآتية - كعوامل متضافرة أو متعارضة - الى انحسار قلب داعش الى مفتتات ارهابية هنا وهناك وهى استمرار المواجهة العسكرية التى تبنتها الدولة فى سورياوالعراق ودخول روسيا بدعوة من حكومة دمشق ودعم ايران وحزب الله للنظام، وتغير موقف تركيا (لأسباب متداخلة) بالكف الجزئى عن تسهيلاتها لداعش، واسهامات مخابراتية ومعلوماتية امريكية. هذه خمسة دوافع معلنة جنبا الى دوافع أخرى غير معلنة قد نتبينها فى مسار الإجرائيات التالية . خامسا: من بين الاجراءات تسهيل نقل داعش جزئيا الى جبهتى سيناء وليبيا من اجل استمرار حصار الدول المقاومة لخطط إعادة تقسيم دول المنطقة متضمنة خطة متلازمة مع سياسة تركية اخوانية شديدة العداء لمصر، إضافة الى التوجه السياسى الاسرائيلى كعنصر داخلى فاعل عند اللزوم. فمصرتحارب عسكريا وامنيا داعش فى سيناء وتناضل وتدعم سياسيا استمرارية وحدة ليبيا ضد دعاوى التقسيم التى تتبناها القوى الغربية لأسباب متعددة. سادسا : عودة الداعشيين الأجانب لبلادهم فى اوروبا أو أمريكا أو دول الشرق الأوسط أو اقامة تحالفات مع تنظيمات عنف شرس مثل بوكو حرام فى غرب افريقيا تمثل مخاطر جديدة لذئاب منفردة تربك السياسات وتوطئ لمزيد من كراهية الاسلام باعتباره ايديولوجيا عنيفة. قد يكون أغلب انتماء دواعش أوروبا يمثل توجهات فردية رافضة للأنظمة الغربية والرأسمالية المالية التى تحاصر مستقبل الشباب وتحيلهم قوى عمل عاطلة تتعايش على ضمانات اجتماعية ضد الفقر والجوع. سابعا: على فرض تدخل قوة عربية هل سيسبقه اتفاق مع النظام السورى وتركياوايرانوروسياوأمريكا والأمم المتحدة ليكون له شرعية كقوة سلام ؟ هل يعنى ذلك تدويل سوريا بما يشبه تدويل القضية الفلسطينية منذ سبعة عقود! أم يكون التدخل لحساب واحدة أو أكثر من أطراف الصراع؟ هل لحساب النظام السورى أم ضده الذى يفتح جبهات اصطدام بقوى متعددة وبخاصة ايران وحزب الله؟ وما هو موقف العراق فى هذ ه المتاهة؟ وأسئلة حول دور أكراد شمال سوريا والدروز فى الجنوب؟ وأين تقف تركيا: حياد أم تحالف مع العرب أم انتهاز الفرصة للاحتفاظ بشمال سوريا بحجة حرب وقائية ضد الأكراد؟ وماهية المواقف مع روسياوأمريكا والآراء المتعددة داخل الاتحاد الأوروبى؟ والأخطر هو الدور الاسرائيلى فى هذا الخضم الملتبس؟ اغلب الظن أن مكسبها الأكبر هو سقوط سوريا كدولة موحدة الى شتات دويلات إضافة الى تحجيم الاندفاع الايرانى الملامس لحدودها مع سوريا ورده شرقا الى حدود نفوذه فى العراق! مقابل هذه المخاطر أليس من الأوفق محاولة عربية لإيقاف تصعيد الأزمة السورية بصورة اكثر فاعلية لتهدئة أوضاع ترتب للسوريين فرص اختيار جيد لنظامهم الحاكم من اجل الصالح العربى العام ككتلة متفاعلة ايجابيا وتفويت فرص تدخل اسرائيل وتركيا وإيران فى الملعب العربى! لمزيد من مقالات ◀ د.محمد رياض