اثناء وجودى فى مدينة نجامينا عاصمة تشاد خلال شهر أبريل المنصرم شاءت الظروف ان أراقب واقعتين. كانت الأولى عندما روى لى السيد السفير أدهم محمد نجيب سفير مصر فى تشاد ظروف الخدمة الطبية التى تقوم بها القوافل الطبية التى يرسلها الازهر الشريف إلى تشاد لتقدم خدماتها المجانية فى المناطق التى تحتاج بشدة لهذه الخدمات، خاصة فى الشمال. كما روى ظروف عمل تلك القوافل فى درجة حرارة ترتفع إلى 49 درجة فى الظل، وان الازهر ارسل الى الآن قافلتين وان الثالثة تستعد للسفر وستتجه فى أقاليم الجنوب حيث توجد غالبية مسيحية. تحمل القوافل معها كل الاحتياجات لتقوم بكل الخدمات بما فى ذلك العمليات الجراحية. وكانت الثانية عندما تابعت على احدى الفضائيات الاجنبية عملية شحن «أحجار الياقوت» الثمينة التى تم اكتشافها فى موزمبيق والتى كانت معروفة أن مواقعها المنتجة تقع فى وسط آسيا فقط. لذا كانت منطقة وسط آسيا المصدر الاساسى الدائم لهذه الاحجار. وعرفت ان أحجار الياقوت الإفريقية تمتاز بدرجة نقاء عالية ترفع من ثمنها لما هو اعلى من ثمن أحجار الألماس الحر. وتابعت على الفضائية الجهد الشاق للعمال الافارقة فى الحفر ثم فى الحمل والنقل لتتسلم الشركة الاجنبية الأحجار المستخرجة لتصدرها. مثلت لى الواقعتان الفارق الشديد فى التوجهات. التوجه التضامنى لدول الجنوب بعضها مع بعض بالرغم من كل المصاعب المالية التى تمر بها. اما التوجه الثانى فيمثل رؤية دول الشمال بشركاتها نحو دول الجنوب. فالفارق كان ولا يزال كبيرا. فى الحالة الاولى يتبلور التضامن الإنسانى بين الشعوب، وفى الحالة الثانية يتبلور قانونا استغلال البشر واستنزاف الخيرات فى تلك العلاقات المتناقضة بين دول الجنوب وبين الاخرى دول الشمال . كنت فى نجامينا لمهمة نقابية فتواصل إحساسي، اثناء الزيارة، بإفريقيا التى كنت اعرفها فى خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وصلت هذه الرحلة علاقتى الروحية بإفريقيا التى انقطعت منذ فترة. . لا لسبب الا لأننا بعدنا، بعدنا عمدا، عن اخواننا الأفارقة. وعندما بعدنا عنهم بعدوا عنا. فأسرع آخرون باحتلال مواقعنا. وقد أسهمت سياسات التدخل الليبى فى عصر القذافى فى توسيع المسافة بيننا وبينهم. فكم كانت سعادتى عندما علمت ان سفرى إلى نجامينا سيكون مباشرا على خط شركة الطيران الوطنية من القاهرة الى عاصمة تشاد دون الاحتياج للهبوط فى اى عاصمة اخري. هكذا تذكرت سياسة عبد الناصر التى ربطت بيننا وبين العواصم الإفريقية مباشرة بدلا من التوجه اليها عن طريق لندن او باريس عاصمتى المستعمرين القدامي. اما خط الطيران بين العاصمتين، القاهرة نجامينا ، فدائما مشغول بالركاب التشاديين، ذهابا وإيابا، لأنهم يفضلون المجيء إلى القاهرة للعلاج ولأمور أخرى كالالتحاق بالتعليم العام أو الأزهري. وتشاد دولة فقيرة ومصنفة على انها افقر بلدان العالم بالرغم من ارتفاع تكاليف المعيشة فيها. زراعتها ضعيفة وصناعتها كذلك. تعمل الغالبية من سكانها فى الزراعة فى الجنوب حيث توجد المياه. غالبية حيازاتها فى زراعات صغيرة تعرف بالزراعة للاستهلاك. اى انها زراعات تفى باحتياجات الاسرة دون ان يكون لها فائض يتوجه بالسوق. كما يعمل العديد من التشاديين فى الصيد الذى بدأ يواجه مصاعب بسبب تأثير التغير المناخى على حجم المياه فى بحيرة تشاد وفى نهرى تشارى ولوجون. تم اكتشاف البترول بها فى عام 2004 ولكنه لا يستخرج بكميات تخرج البلاد من ازماتها الاقتصادية. كما انه لا يكفى لتوفير الطاقة المستمرة للبلاد. تعانى من ضعف الاستثمارات لعدم توافر الطرق والطاقة. طاقاتها الصناعية تنحصر فى صناعة الصابون وعصر الزيوت، فى الأساس من بذرة القطن والفول السوداني، والنسيج والعصائر والسجائر. بالرغم مما يقال عن خيرات أخرى فى باطن الأرض يعرفها الآخرون ولا يعرف تفاصيلها التشاديون. بها ثروة من الجمال والأبقار والاغنام التى تسهم فى التصدير بجانب البعض من الاقطان. تزرع الفول السودانى والحبوب مثل الذرة والشعير ثم بعض الفواكه والخضراوات كالبطيخ والمانجو والشمام والبطاطا. تعتمد على الاستيراد فى تدبير غالبية شئونها لذا تعانى من عجز فى الميزان التجارى بشكل مستمر. استقلت تشاد عن فرنسا عام 1960 بعد احتلال بدأ عام 1913. أما حدودها الحالية فقد حددتها، كما حدث مع العديد من الدول الإفريقية، اتفاقيات بين ألمانياوفرنسا عام 1894، ثم بين فرنسا والمملكة المتحدة عام 1898، ولكن بسبب موقعها فى قلب القارة وفى محيط مغلق بست دول، مرت تشاد بصراعات داخلية مدعمة ومنظمة من قوى خارجية ونزوح البشر منها الى دول الجوار، ثم فى حالات اخرى اليها. وخلال تلك الصراعات شهدت مراحل تدمير كبير لإنشاءاتها المتواضعة مما ساعد على زيادة افقارها. فى الفترة من 1979 1981 وهى فترة التدخل القذافى فى الداخل التشادى وإشعاله الحرب الاهلية هاجر 200 ألف تشادى إلى خارج البلاد. اتجهت الهجرة إلى السودان والكاميرون ونيجيريا التى طردتهم إلى خارج حدودها عام 1985. وتم هدم ما يزيد على 40 ألف مسكن. وبسبب زيادة الصراعات الداخلية فى البلدان المحيطة بتشاد اضطرت أن تستقبل مهاجرين سودانيين إبان الصراع فى دارفور. فباتت الأمور معقدة فى منطقة قلب إفريقيا واتسعت الأزمة الاقتصادية وزاد إفقار البلاد والبشر. لذا استمرت فقيرة وفاقدة للمناعة امام الهزات السياسية. كما باتت ارضا خصبة لمنظمة بوكو حرام ثم وصلتها داعش. عندما وصلت العاصمة نجامينا كان السفير ادهم محمد نجيب فى استقبال وفد من علماء الدين التشاديين أنهوا مهمتهم فى القاهرة، فصحبنى من المطار الى الفندق فى سيارته التى تحمل العلم المصري. وعلى طول الطريق كان البعض يحييه لمجرد رؤيتهم للعلم المصري. لا يزالون يحبوننا ويتوقعون منا المساعدة. . وعلينا ان نقترب منهم بالرغم من ظروفنا الصعبة. لمزيد من مقالات أمينة شفيق