مفهوم الديمقراطية فى خطر، وأصبح يحتاج إلى إعادة تقييم فى ضوء استخدام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب العجيب وسائط الاتصال الحديثة، فعلى الرغم من أننا نراه شيئا جيدا أن يخاطب رئيس أمريكا الرأى العام فى بلاده أو حتى الرأى العام العالمى عبر تغريداته فى (تويتر)، فإننا لا نفهم أن يستخدم تلك التغريدات فى إقالة رهط من المسئولين الأمريكيين، أو فى إعلان توجيه ضربات عسكرية ضد دولة أخرى مثل سوريا، فهذه التصرفات تنزع صفة المؤسسية عن قرار الدولة فى الولاياتالمتحدة وتحصر جهة إصداره من حيث الشكل فى الرئيس الأمريكي، ولا أقول حتى فى البيت الأبيض.. وبالطبع هو فى بعض الحالات يخبر مسئولين هنا أو هناك ولكنه يصادر على الآلية المؤسسية فى صناعة القرار، وكثيرا ما أخبرنا مسئولو أمريكا بأنهم فوجئوا بقرارات ترامب أو بتغريداته، وفى أمور بالغة الخطورة مثل إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون أو عدوانه على الأرض السورية.. إذ نراه فى هذا قد أفلح ونجح فى (تحييد) المؤسسات الأمريكية وأمم سلطة اتخاذ القرار، فالمعروف أن الرئيس الأمريكى إذا أراد شن هجوم فمن الضرورى الحصول على مصادقة الكونجرس قبل أن يفعل، ولكنه تحدث عن صواريخه (الجديدة والجميلة والظريفة) ثم أطلقها على سوريا دون أن يسأل عن رأى سلطته التشريعية، وهكذا فى مجالات أخرى مهمة وخطيرة.. وبالطبع كان هذا المنطق الأنجلو ساكسونى هو الذى حكم تصرف رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى حين شاركت بطائرات «التورنيدو» فى العدوان على سوريا دون إذن مجلس العموم.. القطبان (الأمريكى والبريطاني) اتخذا قرار الحرب دون مصادقة السلطة التشريعية أو ما يعادل البرلمان فى كل منهما، والعجيب أن هاتين الدولتين هما الأكثر لغطا وصخبا وحديثا عما تتصوراه إغفال دولة أو أخرى لرأى الهياكل البرلمانية، فعلا الديمقراطية أصبحت كمفهوم فى حاجة إلى إعادة نظر بحيث تكون لازمة لكل السلطات الحاكمة فى جميع البلاد، وبحيث لا تصير مقصورة على مستوى معين من الدول، كما أن تفسيرات تلك الديمقراطية لابد أن تكون واحدة وإلا تحكم فى مصير البشرية مجموعة من المغردين فى الأرض. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع