أطفال تفتحت أعينهم على أهوال الدمار والخراب بعدما شاء قدرهم أن يولدوا فى بلد تفتك به النزاعات والحروب، التى أجبروا على تحمل قسوتها وتجرع مرارتها، فأحلامهم أبسط بكثير ممن هم فى مثل أعمارهم، ففى الوقت الذى من المفترض أن يعيشوا أسعد أيامهم .. يمرحون وتتعالى ضحكاتهم وتبقى أقصى مسئولياتهم مذاكرة دروسهم، فإن أحلام أطفال أفغانستان أقل من ذلك بكثير، فكل ما يرغبون به هو «الأمان» الذى أصبح بعيد المنال فإذا سلموا ويلات الحروب لا يسلموا عواقبها.. لم تكن الفتاة الأفغانية، نورزيا أماركيل، البالغة من العمر 12 عاماً، تحلم بالرفاهة بل كان أقصى طموحها أن تعيش هى وأسرتها فى مكان آمن فى بلد لم يعرف الأمان منذ عقود طويلة، ورغم ذلك فإن حلمها الصغير لم يتحقق بل كانت إحدى ضحايا الألغام حيث فقدت قدميها وأصبحت حياتها منحصرة بين كرسيها المتحرك ووالدها الذى يحملها وهى تمسك بذراعه بشده وكأنه الأمل الوحيد المتبقى لها، وذلك بعدما فارقتها الابتسامات لتلازمها الدموع. كانت أماركيل تعيش مع عائلتها فى مقاطعة نانجارهار التى تقع شرق أفغانستان حتى بداية صيف العام الماضى ثم دخل قريتها عدد من مسلحى داعش فهربت مع عائلتها، وبعدما نجحت القوات الحكومية فى طردهم عادت أماركيل لمنزلها مرة أخرى، ولكنها لم تدرك أن المسلحين زرعوا عبوات ناسفة فى المقاطعة، تفجرت إحداها لتلتهم ساقيها.. وليست أماركيل وحدها ضحية الألغام والعبوات الناسفة بل إن هناك جيلا من الأطفال لم تترك الحروب آثارها النفسية عليهم فقط بل تركت أيضا الآلام والتشوهات الجسدية، ففى العام الماضى وحده انفجرت مخلفات الحرب، لتغتال نحو 2000 طفل وطفلة. فبعد عقود من العمل وإنفاق أكثر من مليار دولار من دعم المجتمع الدولى لإزالة الألغام التى خلفها الاحتلال السوفيتى لأفغانستان، وتم خلالها تدمير مخلفات الحرب منذ عام 1989، إلا أن المجموعات الإنسانية المعنية بإزالة الألغام تواجه حاليا تحديات جديدة، ألا وهى إزالة المتفجرات الناجمة عن الصراع الآخذ فى الاتساع بين قوات الأمن الأفغانية وطالبان وداعش ومجموعات المتمردين الأخرى، والتى كان الهدف من زرعهم لها النيل من قوات العدو ولحماية أنفسهم فى حين أن الضحايا هم الأطفال الذين يلتقطون هذه الذخائر ظنا منهم أنها عبوات فارغة. وطالما كافحت مجموعات إزالة الألغام، التى تعمل بدعم من البلدان المانحة، لإزالة الألغام القديمة. ففى عام 2012، عندما بلغ التمويل الذى قدمه المانحون الدوليون لنحو 113 مليون دولار لم يكن عدد الضحايا جراء تلك الألغام مثلما شهدت الأعوام التى تلته حيث إنه منذ بدء انسحاب القوات الأمريكية بداية عام 2013، قلصت العديد من الجهات الدولية المانحة تمويلها لعمليات إزالة الألغام. وفى عام 2016، عندما كان التمويل هو الأدنى حتى الآن، بلغ عدد الضحايا المدنيين أعلى رقم مسجل منذ سقوط طالبان. وفى العام الماضى طلبت الحكومة الأفغانية 110 ملايين دولار من المجتمع الدولى لمواكبة التزاماتها المتعلقة بإزالة الألغام، ولكنها تلقت 42 مليون دولار فقط، وهو ما تسبب فى نقص عدد عمال إزالة الألغام، فقبل أربع سنوات، كان هناك 15 ألف عامل أما الآن فلا يتجاوز عددهم ال 5 آلاف.. ويقول باتريك فروشيت، رئيس مكتب الأممالمتحدة لمكافحة الألغام فى أفغانستان، إن «عدد الضحايا من المدنيين يفوق بكثير عدد الضحايا من الجنود فى هذا الصراع»، وحذر من أن تراجع الدول المانحة عن دعم قوات إزالة الألغام سيتسبب فى تعرض المزيد من الأطفال لفقدان الأيدى والأذرع والساقين وربما الحياة.