عندما اخترت جملة «التكنولوجيا رحمة.. أحيانا باطنها العذاب» لم يدر بخلدى ولو لبرهة أن أصبح بعد دقائق ضحية لتداعيات تكنولوجية غير متوقعة ولا مفهومة، لم تؤد فقط لاختفاء المواد المحفوظة على حاسبى الشخصى بل أيضا لملاحقة فيروس لا أدرى كيف تسلل إليه رغم برامج الحماية التى تثقله ليمارس فى مقالى السابق لعبة اقتطاع جمل أو ظهور كلمات بينها تفسد سياقها وكأنه يخرج لى لسانه ويقول «عيشى التجربة!!» ورغم أننى حتى اللحظة لم أعرف سبب حالة الجنون التى أصابت حاسبي، وإن اتخذت مزيدا من الاحتياطات لمنع تكرار المشكلة، إلا أننى مدينة بالاعتذار لمن أوقعه سوء الحظ وحاول قراءة مقالى السابق الذى عرضت فيه لتداعيات اختيار ابناء الألفية الثالثة. الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعى بديلا عن التواصل الإنسانى المباشر أو ما أطلقت عليه باحثة علم الاجتماع بمعهد ماسوشتيس التكنولوجى شيرى تركل «العزلة الاجتماعية». توضح تركل أن الإمكانات التى توفرها هذه التكنولوجيا والآفاق التى تفتحها أمام الناس تجعلهم يتعاملون معها بصورة رومانسية ويتغافلون عن عمد أو دون قصد عن مثالبها وأهمها حالة العزلة التى يعيشها أبناء الألفية الثالثة . وفى استعراضها لمظاهرها تشير لما رصدته فى الطوابير أو أمام أكمنة الأمن أو أثناء الانتقال بالمواصلات العامة، عندما قامت بدراساتها الميدانية فى الأماكن التى يصطف فيها الناس فتقول «بمجرد أن يقف الشخص انتظارا لدوره سرعان ما يشغل نفسه بشيء ما على محموله، سواء لعبة أو ملاحقة للأخبار أو متابعة الفيسبوك والتويتر، و كأنه لا يتحمل الشعور بالوحدة بعد أن فقد قدرته على التواصل مع رفاق الطابور الطويل..» وتفسر عالمة الاجتماع والباحثة الأمريكية شيرى تركل هذه الظاهرة بأن مدمنى المنجزات التكنولوجية يهربون من واقع حقيقى لأخر افتراضى يختارونه باعتباره أكثر ملاءمة ويحقق لهم إحساسهم بذاتهم، وتدريجيا يفقدون قدرتهم على التواصل مع الآخرين ويشعرون بأن اكتمال وجودهم لا يتحقق إلا من خلال أشكال التواصل التى تتيحها لهم هذه الأجهزة!!. وتضيف قائلة «رغم أن معظم عينة البحث أكدت اشتياقها للحظة يخلون فيها لأنفسهم إلا أنه بمجرد أن تحققت أمانيهم شعروا بالوحدة وبعزلة لا يطيقونها، فامتدت أياديهم لأجهزتهم بحثا عن السلوى والونس..» فى ذات السياق تشير الباحثة لظاهرة افتقاد الخصوصية ونشر أدق التفاصيل الشخصية على الفيسبوك وإشراك القاصى والدانى فى التصويت على القرارات المصيرية والتافهة،فتقول أنها من خلال دراساتها اكتشفت شيوع هذه الظاهرة التى تؤدى تدريجيا لانتهاك خصوصية المرء وتفقده إحساسه بالاستقلالية والثقة بالنفس وبقدرته على اتخاذ قرار بمفرده أو إدارة حياته. وتضيف أن هذه التكنولوجيا،سواء من خلال الألعاب المتاحة على الهاتف المحمول أو الفيسبوك أو البرامج المختلفة على الأجهزة المتصلة بالانترنت جعلت الإنسان ينظر دائما للخارج بعيدا عن ذاته، بعد أن تلاشت الفترات التى كان يستطيع خلالها أن يخلو لنفسه أو يتأمل موقفا ما أو يتواصل مع من حوله.وتضيف قائلة «إن الأوقات التى يخلو فيها المرء لذاته ضرورية، فبدونها يفتقد المرء لحظة يمارس فيها حلم يقظة أو يتأمل ما يدور بداخل نفسه» .. وتشير الباحثة لظاهرة إلهاء الأطفال بالأجهزة الالكترونية منذ سن مبكرة، فتقول إنها تحرمه حقه فى الاستمتاع بالحوار مع نفسه ومع أفراد الأسرة وأقرانه وتقلل قدرته على التواصل مع البشر فى مراحل عمره التالية مما يؤدى لحالة عدم نضج عاطفى تستمر فى كل مراحل العمر.. وتوضح الباحثة الأمريكية موقفها قائلة إنها ليست ضد التقدم التكنولوجى ولا ضد الإمكانات التى يقدمها للبشر لتسهيل حياتهم ولكنها تسعى لان ينتبه الناس ويأخذوا حذرهم لتجنب ما يمكن أن يظهر من تداعيات سلبية تفسد حياتهم و تؤثر على الشخصية والتوازن النفسي.. وأخيرا، فلعل فيما قالته الباحثة الأمريكية ما يستحق أن نلتفت له،لنحاول أن نستفيد من انجازات التكنولوجيا ونتفادى سخافاتها؟! لمزيد من مقالات سناء صليحة