وزير التعليم يستقبل مدير عام منظمة الألكسو لبحث التعاون المشترك    الدولار يصعد في البنوك مع نهاية تعاملات اليوم    أوبل تستبدل كروس لاند بفرونتيرا الجديدة    رئيس «اقتصادية الشيوخ»: وحدات النصف تشطيب لا تتناسب مع معايير تصدير العقار    «أيبيريا إكسبريس» الإسبانية تستأنف رحلاتها من مدريد لتل أبيب غدًا الأربعاء    مشاهد مرعبة من فيضانات روسيا.. مدن تغرق ونزوح أهالي قرى بأكملها (فيديو)    من يحسم بطاقة التأهل؟.. مباشر برشلونة ضد باريس سان جيرمان في دوري الأبطال    نادي مدينتي يستضيف بطولة الجمهورية للاسكواش بمشاركة 1500 لاعب    «رياضة القليوبية»: افتتاح منشآت جديدة بتكلفة 7 ملايين جنيه قريبا    السيطرة على حريق بمخزن صباغة وتجهيز الأقمشة بمدينة نصر    مصرع طفل أثناء تعلم السباحة في المنيا    تعرف على نماذج البوكليت التجريبي لطلاب الثانوية الأزهرية    الخميس.. "بأم عيني 1948" عرض فلسطيني في ضيافة الهناجر    في روشة ميكانيكا.. سهر الصايغ تبدأ تصوير مشاهد اتنين × واحد.. صور    خالد الجندي: الأئمة والعلماء بذلوا مجهودا كبيرًا من أجل الدعوة في رمضان    احتفالية الصحة باليوم العالمي للهيموفيليا بالتعاون مع جمعية أصدقاء مرضى النزف    محافظ بني سويف يعتمد مواعيد امتحانات نهاية العام الدراسي    الهند تدعو إلى اتخاذ إجراء حاسم بشأن إصلاح مجلس الأمن الدولي    مانشستر سيتى يستعيد ووكر ودياز وأكى قبل قمة ريال مدريد فى دورى الأبطال    عاجل- عاصفة رملية وترابية تضرب القاهرة وبعض المحافظات خلال ساعات    بسبب غيابهم.. إحالة أطباء بوحدة صحية في الوادي الجديد للتحقيق    تحسين معيشة المواطن وزيادة الإنتاجية.. وكيل "قوى عاملة النواب" توضح مستهدفات الموازنة الجديدة    الأسبوع المقبل|فصل الكهرباء 6 ساعات لمدة 4 أيام عن عدة مناطق ببني سويف    بالصور.. الفنانة دعاء رجب تحتفل بخطوبتها على النيل    ريهام حجاج عن انتقادات مسلسلها «صدفة»: «مش كل الناس اتفقت على ربنا»    «مالمو للسينما العربية» يُكرم المخرج خيري بشارة.. و4 نجوم في ضيافته (تفاصيل)    لأول مرة.. انطلاق تدريب لاستخدام المنصة الرقمية لرصد نتيجة المسح القرائي ببورسعيد    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    عالم بالأوقاف: يوضح معني قول الله" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"؟    مانشستر يونايتد يدخل صراع التعاقد مع خليفة تين هاج    وداعًا للكوليسترول- خبير تغذية: هذا النوع من التوابل قد يعالجه    في فصل الربيع.. كل ما يخص مرض جفاف العين وكيفية العلاج (فيديو)    وزير الخارجية ونظيره الصيني يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    جامعة الإسكندرية تتألق في 18 تخصصًا فرعيًا بتصنيف QS العالمي 2024    فى ذكرى ميلاده.. تعرف على 6 أعمال غنى فيها عمار الشريعي بصوته    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    فصل التيار الكهربائي "الأسبوع المقبل" عن بعض المناطق بمدينة بني سويف 4 أيام للصيانة    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    وزير الأوقاف: إن كانت الناس لا تراك فيكفيك أن الله يراك    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    "بعد السوبر هاتريك".. بالمر: أشكر تشيلسي على منحي فرصة التألق    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    صداع «كولر» قبل مواجهة «وحوش» مازيمبي في دوري أبطال إفريقيا    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    «لا تتركوا منازلكم».. تحذير ل5 فئات من الخروج خلال ساعات بسبب الطقس السيئ    السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة: حان الوقت لإنهاء الصراع في السودان    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلب
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 04 - 2018

هامسنى جدى، أحسست أننى رجل كبير، أستوعب وأعى، قال: البيت الجديد سيكون نواة لنجع أو بلدة صغيرة، نعمر به هذا الخراب.
هكذا، ساعة العصارى الأخيرة من اليوم الآخذ فى الانطفاء، كنت أركب خلف جدى مطيته العالية المسرجة ذات اللجام الصارم، ربط مخلاته المضفرة من غزل صوف خشن مربوطة فى السرج، نسير على جسر الترعة على مقربة من مدخل البلدة البحرى، نرمى السلام على الجالسين أمام دورهم، برزت أمامى من وسط سيقان النخيل واجهة قمين الطوب، كان بقايا بيت صغير متهدم مبنى بطوب لبن، له بوابة وسقف وشبابيك مضفرة على شكل قبو من الطوب الأحمر، أعطى للجزء المتبقى منظرا رائعا.
قال: هذا بيت جدنا الكبير»محمدين» هجر نساءه الأربع وجواريه، عاش هنا وحيدا يتعبد ويستقبل مريديه، كانت له مجمرة فى هذا الركن أمام البيت لا ينطفئ نارها أبدا، بها قدور أكل وأباريق شاى وقهوة. كان الرجل «زين» له طلعة ومهابة. لم أشاهده سوى مرات قليلة، جلست بجواره مرة يتيمة على حصيرة.
على شاطئ الترعة، أحضرنى له أبى بعد معاناة مع مرض طويل، انهمك فى ترتيل القرآن، عصب رأسى بمنديل أبيض، كانت الترعة هذه محفورة حديثا، ماؤها نقى، سريع السير، نستخدم السنابك لعبورها.كنت فى تلك الفترة أركب خلف جدى الجمل، نعبر النهر ونجتاز الفيافى، نبحث عن «الماروق» فى أعالى الجبال، تهنا ذات يوم، وبقينا نبحث عن أى مسلك، وفقدنا أى أمل فى النجاة، فى ليل أسود طويل سمعنا صوت المؤذن يكبر للفجر، إذ بأنوار متلألئة تنهمر، إذ بنا على شاطئ البحر الأحمر عند مقام «سيدى الشاذلى».
تنهد جدى تنهيدة طويلة وزفر، فبانت عظام بارزة على جلد أسمر مترهل، حرك فكيه داخل فمه المطبق، كأنه يلوك شيئا، جز على أسنانه، دهشت للوجه النحاسى المحروق والعروق الخضراء النافرة تحت جلد العنق.
كان على يميننا ثمة أشجار نخيل وقمائن الطوب الأحمر، وأساس البيت الجديد مرتفع يضاهى قامة رجل، هناك أيضا عدد من الأشخاص، امرأة ضامرة، شاحبة الوجه، تعبث بأشيائها الصغيرة تحت الحائط، بينما قبع رجل يشد فى دخان جوزته لم أتبين هل كان يحتسى الشاي؟، هل كان يلوك شيئا ما فى فمه؟، عندما رأيت وجه جدى، ربما لأول مرة تزداد قتامته، ينضح بالقسوة، يهلل بالعنف، وجه نحاسى قاتم، تجانست فيه كل دلالات الغضب، قال:»أنجاس» وقفز من على ركوبته، نزل إلى الجسر، تخطى الأرض المبتلة المليئة بالشوك والعاقول، لملمت المرأة غزلها، خرجت أخرى شابة ذات وجه آسر وعيون واسعة مُكحّلة، وضعت يدها على صدر ها لتخفى المفرق، وانهمكت مع العجوز فى فك عقال الحمار الأجرب والمعزة المسلولة، نبح الكلب، ثم لاذ بالصمت لاصقا جسمه فى أقدام صاحبه، الذى ركن كتفه إلى الحائط، ثم قام من يهدئ من روع جدى ويستعطفه.
كانت ثمة أصوات مكتومة تشبه الهمهمات تأتى من داخل الخيمة، الرجل بدا صامتاً وحزيناً وقلقاً، ارتجفت أطرافه وزاد ارتعاش شفته السفلى، كان كلبهم يهز ذيله فى انكسار وصاحبه ذو الشارب الكثيف الطويل والأنف الحاد المنحدر نحو الفم، جلبابه الأزرق متهلهل الحواف مرتديه على اللحم، شعر صدره بان كثيفا، وجسمه بلون الأرض الشراقى.
جزار البلدة الوحيد، وأحد وجهائها، له صوت العجل المعلوف، مدكوك اللحم على حماره العالى المُسّرج، يسير على الجسر مرتديا ملابسه المنتقاة، كنت راكباً على بغلة جدى مازلت بعد أن فارقنى 0 جاء صوته عاليا «البلد دى أحسن من غيرها» مفضوح بعينيه الممتلئة بشبق، شهوة الحرام المستباح. رفع جدى العصا فى وجهه، قال:»إخرس يا فاجر».
انحسر متظاهرا بالخجل. سار لاصقا بصره تحت أقدام ركوبته راجعا من حيث أتى.
كانوا قد جمعوا أشياءهم القليلة على عجل، كأنهم على موعد دائم مع الرحيل، بدوا لى على جانب الطريق مولين النجع خلفهم، معزتهم الجرباء وكلبهم الهزيل، وحمارتهم الطاعنة فى السن والمرض. شاهدت «هندا» التى شاركتنا اللعب والرقص والبكاء ورواية الحكايات، شعرها المنساب يغطى جانب وجهها النابض بالحيوية، كان شاحبا، لم أستطيع أن ألق عليها نظرة وداع بخجل متأسفا لها عما يحدث، لكنهم على ما يبدو، استأنسوا بالليل والظلمة والعراء وصوت الريح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.