لم يكن متوقعاً مِمَن قضوا عمرهم السياسى يهاجمون السعودية لأنها منبع الأفكار الدينية المتطرفة ودعم المتطرفين سياسياً ومادياً، أن يستمرّوا على موقفهم الرافض المتشدِّد حتى بعد أن أعلن ولى العهد الشاب محمد بن سلمان عن إدانته الصريحة لهذا النهج وهذه السياسة، وعن تبنيه أفكارا وسياسات أخرى يقول إنها تستشرف المستقبل وتريد أن تتخلص من عوائق الماضي، وبدأ بمنح النساء حق قيادة السيارات، وكانت السعودية الدولة الوحيدة فى العالم التى تجحد النساء هذا الحق، ثم السماح لهن بحضور المباريات الرياضية، ثم خطابه الشجاع عن عدم إيمانه بممارسات نالت قداسة عبر قرون عن الحجاب وزى المرأة المسلمة، ثم موافقته على الترخيص بإقامة حفلات علنية للغناء والموسيقى ومعارض للفنون، وإقامة دور للمسرح والسينما..إلخ. ثم كانت الخطوة الكبرى بإعلان مواجهة فكر ونشاط جماعة الإخوان والعمل على عزلهم عن التدريس والمناصب القيادية فى كل مراحل التعليم، ثم زيارته لقداسة البابا تواضروس فى كاتدرائية الأقباط بالقاهرة ودعوته لزيارة السعودية. وقد تحقق كل هذا فى خلال أشهر قليلة فقط. وكما هو واضح فإن مؤيدى هذه السياسة فى السعودية هم أساساً من فئات الأجيال الشابة المثقفة المستنيرة التى تعرف العالم ولديها طموح تأمل أن يتحقق على أرض بلادها. ولكن المؤكد أن جبهات الرجعية لن تستسلم بسهولة، بل سوف تخوض معركة شرسة، مدعومة من قطاعات من عامة الناس الذين امتلأت أدمغتهم بالأفكار القديمة. مما يجعل الموقف أكثر تعقيداً! من الممكن فهم بواعث هؤلاء المضارين من التهديد القوى بزوال ثقافتهم، التى تمثل لبعضهم نفوذاً ومكانة ومنافع. ولكن الغريب هو موقف من أفنوا أعمارهم يعارضون وينتقدون، ثم إذا بهم الآن يرفضون الاعتراف بالسياسة الجديدة ويتشككون فى النوايا ويُغرِقون أنفسهم فى تحليل نتائجها الاحتمالية، ولا يحسبون بشكل عملى آثارها الإيجابية المباشرة التى سوف تتجاوز السعودية والإقليم إلى العالم كله. لقد كان المأمول أن تحظى هذه السياسة الجديدة بدعم مصرى قوي، من كل الأفراد والأحزاب والتيارات التى تنادى بالمساوة بين الجنسين وبفصل الدين عن الدولة وبمدنية الحكم وتناهض الإخوان. مع توضيح أنها مجرد خطوة وأنها لا تُلغِى الخلافات الأخري. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب