في بلاط صاحبة الجلالة جنود مجهولون هم أنبل وأشرف من في الأسرة الصحفية وقد عرفت علي مدي أكثر من50 عاما عددا من نبلاء وأشراف المهنة الذين يعطون دون مقابل ويجتهدون في عملهم من أرضية الحب والانتماء للموقع الذي يعملون به وليس من أرضية البحث عن الذات أو السعي وراء المغانم ويعملون للوفاق والتوافق مع الزملاء دون اعتبار لحسابات المكسب والخسارة في ساحة يتحول فيها التنافس إلي صراع يستبيح فيه البعض أحيانا حق استخدام كل الأسلحة المحظورة والمحرمة!. إن مراد عز العرب مدير تحرير الأهرام المسائي الذي رحل عن دنيانا قبل أيام يتصدر بامتياز قائمة النبلاء والأشراف من الجنود المجهولين في بلاط صاحبة الجلالة فقد كان نموذجا فذا ومبهرا في قوة التسامح التي يراها البعض ضعفا وكان أيضا مثلا يحتذي به في عفة اللسان ورقي السلوك. لم أكن أعرفه قط قبل21 عاما وقد شاءت الصدف أن يوافق توقيت عودته لمصر بعد انتهاء عمله في المملكة العربية السعودية مع بدء انطلاق صحيفة الأهرام المسائي يوم17 يناير1991 حيث طرق باب مكتبي ناقلا رسالة تحية من صديق قديم ولم يكن واردا في ذهنه أن يعمل في الأهرام ومن ثم كانت المفاجأة عندما فاتحته في طلب العمل معي فلم يتردد للحظة في قبول العرض. وعلي مدي أكثر من18 عاما كان مراد عز العرب هو أهم وأكبر مساعد لي في تحرير وإدارة الأهرام المسائي حتي من قبل أن يتبوأ بجدارة منصب مدير التحرير... وكم كان أسفي شديدا عندما عجزت عن تمرير ترشيحه لرئاسة التحرير بعد تفرغي لرئاسة مجلس إدارة الأهرام حيث كان الجواب ممن بيدهم الأمر صادما: إن مراد رجل مهذب والمرحلة التي نحن مقبلون عليها تحتاج إلي رئيس تحرير تصادمي قادر علي الاشتباك... وعندما رددت علي ذلك بأن الأهرام المسائي انتهجت منذ صدورها نهج الابتعاد عن الصراعات الحزبية كان الجواب: إن تلك مرحلة لم يعد ممكنا استمرارها. لقد خسر مراد مقعد رئيس التحرير الذي كان يستحقه عن جدارة وجري إبعاده- بعد تركي للأهرام- عن موقع مدير معهد الأهرام الإقليمي للصحافة دون أدني مبرر لكن الرجل كسب احترام نفسه وكسب احترام الجميع!