استوقفنى ما كتبه أ. أحمد البرى عن النتيجة الحتمية للتصالح مع المخالفين فى مسألة البناء على الأراضى الزراعية وهى «أن أى كلام عن التصالح سيؤدى إلى استمرار المشكلة، ويصبح أمرا يتم الرجوع إليه كلما زادت المخالفات، أما تطبيق القانون بشكل حاسم ففيه الخلاص نهائيا من هذه الأزمة»، وبالفعل فقد أصاب كبد الحقيقة، إذ لم ينل من هيبة الدولة وقدسية القوانين إلا عدم الحسم فى تطبيقها، وعدم تنفيذ القرارات التى يتخذها كبار المسئولين، فها هى على سبيل المثال: التكاتك ومعظمها دون لوحات معدنية، ترتع فوق غالبية طرق المحروسة وعلى المحاور الرئيسية فيها، وها هى مقاعد المقاهى، وسيارات المعارض – بعد أن كانت جراجات لإيواء السيارات – تعتلى الأرصفة وتشغل حرم الطريق، وكم يعانى جراء ذلك المواطنون المترجلون على اختلاف أعمارهم وأحوالهم الصحية، وها هى القصور والفيلات ذات الطابع التاريخى والحضارى المميز، ودور السكن ذات الثلاثة أو الأربعة الطوابق، وقد تحولت جميعا إلى أبراج شاهقة الارتفاع فى شوارع بعضها ضيقة، أما عن أكوام القمامة فحدث ولا حرج.. كل ذلك وغيره يجرى جهارا نهارا، وأصبح تناوله فى وسائل الإعلام كالأسطوانة المشروخة المستمرة فى الدوران بصورة مملة!. وبافتراض لا يمكن تصوره، وكأنه خاف عن أعين المسئولين، فقد يحتاج الأمر إلى الاستعانة بالأقمار الصناعية مثلما فعلت وأحسنت وزارة الموارد المائية والرى، واستعانت بها فى كشف المخالفات فى زراعة الأرز وتحصيل الغرامات من المخالفين، وأكدت أنه لا رجعة عن تحصيلها، وتقدر بثلاثة مليارات جنيه، وكم أثلج ذلك صدر المرء وأثار غبطته وارتياحه، بصفة خاصة أنه لا تراجع عن التحصيل (تطبيقا لقانون أو تنفيذا لقرار). وكم يتمنى المرء أن تحذو الوزارات حذو وزارة الموارد المائية والرى، وفى مقدمتها وزارة التنمية المحلية التى تتبعها المحافظات بمدنها وأحيائها وقراها، ويمكنها إذا فعلت ذلك أن تصبح سلاحا ذا حدين، أحدهما فى استطاعته ومن واجبه الحفاظ على هيبة الدولة وهيمنتها على مقاليد الأمور، بقدرتها على تطبيق القانون وتنفيذ ما يُتخذ من قرارات، أما الآخر ففى استطاعته أن يأتى إلى خزينة الدولة بالموارد المالية حصيلة الغرامات على ما انتشر وتفشى فيها من مخالفات وما أكثرها، دون أن تكون هناك أى حاجة إلى الاستعانة بأى قمر أو نجم صناعى! ومع وزير التنمية المحلية الجديد، فقد تتحرك أوضاع المحليات لما يتوافر لديه قطعاً من خلفيات ومعلومات وإحصائيات عنها، ولما يتوافر فى سجل تاريخه من خبرات ونجاحات وقدرات على مواجهة المصاعب والتحديات، وكم هى مسئولية جسيمة كبرى، خاصة أن سجل معظم الوحدات المحلية، حافل بما يشوبها ويؤخذ عليها من مخالفات وسلبيات بادية للعيان، وهى بشوارعها وطرقاتها تُعد بمثابة المرآة التى يرى فيها ملايين المواطنين علاوة على السائحين والوافدين الأجانب، صورة مباشرة مجسمة للدولة! جلال إبراهيم عبد الهادى مصر الجديدة