توقفت لسماع عزف الفيوليت الساحر.. تلفتت حولها فى المكان الذى يحمل عبق القاهرة العريقة «من أين يأتى هذا العزف؟ وهذه المقطوعة التى أعشقها لفاجنر؟ وكأن ملكا مسوما يهبط من السماء حاملا اللحن بين جناحيه». تركت صاحباتها على المقهى الشهير فى خان الخليلى وسارت مقتفية آثار الموسيقى المنسابة فى عذوبة.. قادتها قدماها إلى بيت عتيق يقع فى عطفة منزوية يظهر على عقد مدخلها جفت لاعب.. بدا وكأنه وشاح يحلى رأسه الغاطس فى عبق الزمن التليد.. ورنك سلطانى على جانبيه يحدث بما كان من ماضى مجيد.. واصلت السير مسلوبة الإرادة حتى وقفت أمام الباب المطعم بالعاج والصدف والمحلى بعقود نباتية حتى بدا للعين ك «باب» من أبواب الجنة.. ترددت قليلا فى الدخول.. لكن شيئا ما داخلها حدثها «وهل تتمنعين على دخول الجنة؟ أخشى أن أكون انا من أخرج الملاك من الجنة.» وجدت نفسها تدفع الباب الموارب وتصعد درج السلم إلى الدور الأعلى حيث يقود إلى بهو تمتلأ جنباته بتماثيل شفافة كادت من جمالها ودقتها أن تنطق بأحاديث علوية..استوقفتها الأوتار المشدودة على أجساد المنحوتات الفاتنات حتى بدت كآلات عزف خالدة.. لمحت من مكانها العازف الواقف خلف شباك المشربية والمنغمس فى العزف حتى إنه لم يشعر بخطواتها وهى تقترب منه.. لامست بأناملها ظهره.. ومسحت عليه فى رقة.. تدفق صوت الكمان طربا وهى تحط برأسها فوق الظهر المتشنج بأثر الانسحاق فى المعزوفة بين يديه.. انتبهت على قوله: أنت لحنى الأخير! تعجبت وهى تنظر إلى نفسها والأوتار تلتف حول جسدها الفانى وتقيد أعضاءها فى همس صاخب بينما يحرك العازف قوسه فى جنون ليأتى بالحركة الأخيرة من لحن طال انتظاره.. لحن الخلود.