يعيش المرء منا، يتمنى أشياء فى كل مراحل حياته، تختلف بتقدمه فى العمر، فأصحاب النفوس الراضية، لاتعذبهم أمانيهم فى الدنيا كثيرا، وكلما تقدموا فى العمر، قل تعلقهم بالدنيا، وأشيائها، وأصحابها، وقلت إحتياجاتهم فيها، حتى يصلواإلى كونهم لايريدون منها، سوى بعض الماء والطعام، ومكان نظيف للصلاة والنوم، وإزداد تعلقهم بالله، وتكثف تفكيرهم فى الآخرة، ورحلتهم القادمة إليها. أما من لا زالت امانى الدنيا تشغلهم، فقد يعطيهم الله بعض ما تمنوا فيها، لأن الله كريم، ولا يحرم أبدا عبدا دعاه، لكن قد تتأخر بعض هذه الأشياء التى تمناها العبد، وتأتيه فى وقت يكون أستغنى عنها جزئيا، أو كليا، لكن عليه أن يفهم الحكمة من تملكها، فى وقته هذا. فالله سبحانه وتعالى دائما يؤكد لنا، أن متاع الدنيا قليل بالنسبة لمتاع الآخرة، وحين نمتلك بعض ما تمنينا فى الدنيا بعد فترة طويلة، قد نتعجب، لماذا أضعنا أوقاتا سابقة فى التحسرعليه، وهو بين أيدينا الأن، ليس بهذا اللطف الذى كنا نحسبه عليه، ولسنا بهذا الشغف الذى كنا عليه قبل إمتلاكه! وإذا سأل الناس بعضهم البعض عن النعم التى يمتلكونها، لتبادلوا الشكوى منها، فلا من حرم منها سعيدا، ولا من أمتلكها شاكرا.. وقد قال سيدنا على كرم الله وجهه: "كنت أطلب الشىء من الله...فإن أعطانى إياه، كنت أفرح مرة واحدة.. وإن لم يعطنى إياه، كنت أفرح عشر مرات!! لأن الأولى هى اختيارى...أما الثانية هى إختيار الله عز وجل، والخيرة فيما اختاره الله" لهذا ليس علينا أبدا أن نحزن على ما حرمتنا منه الأقدار، فالله أدرى بما يصلح به عباده، فما منحنا إياه لحكمة، وما منعه عنه لحكمة أخرى، حتى لو عشنا نتمناه طول العمر، وما يؤكد هذا هى تلك الصورة التى لو تأملناها لرأينا كم الحسرة التى تعلو وجوه أصحابها، إذا تأملت زوجين حرمهما الله من الإنجاب، وزوجين آخرين أنجبا أولادا عاقين، فى الحالة الأولى يتمنى الزوجان لو كانا لديهما أبناء، والحالة الثانية، يتمنى لو لم ينجبا من الأصل. وهكذا كل النعم، ومتع الدنيا، حتى لتجدن الغنى قد يحسد الفقير على فراغ نفسه من حمل هموم كثيرة، وجلسته خالى البال، لا تنازعه الدنيا فى شىء. وفى سورة الحديد، يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن هذا المعنى بقوله عز وجل: "لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما أتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور" .. لنهذب أنفسنا، ونعلمها اليقين بأن كل ما نملكه، كان مقدرا لنا، فلنستمتع به، ولا نضيع أعمارنا فى تمنى غيره، بما لا يتنافى مع أن نطمح إلى الأفضل دون سلوك دروب الحرام، للحصول عليه. [email protected] لمزيد من مقالات وفاء نبيل ;
