تمضى أعمارنا ونحن نبحث عن لحظة فرح حقيقية. تتمشى الأيام بين حنايانا ونحن نمسك بقلوبنا بين راحة أيادينا. متربصين للسعادة تربص الصياد للفريسة. نحن على أهبة الاستعداد لانفراج الأسارير ونعرف فى مصر بقدرتنا الهائلة على الضحك على أى شيء والسخرية من كل شيء. يهتز قلبى من مطالعة الجمال، من تأمله، من الغوص فيه، من الاندماج فى ثناياه حتى الثمالة. وكلما تعددت صوره، تجلى قلبى وانتشي. جمال المناظر والصور، وعلى رأسها الماء والأخضر كفيلا بذلك. يهتز قلبى لكل صور الجمال فى البشر فأتأمل حكمة الخالق فى خلقهم ونشأتهم. يهتز قلبى للفعل الانسانى النبيل والأخلاق الراقية: لمن يتمنون الخير لغيرهم، لمن يؤثرون الآخرين على أنفسهم، وعلى رأس هؤلاء الأنبياء والأمهات. طوبى لهم. الأمهات لهم الجنة بوعد الله إن صلحوا. أما الأنبياء فهم آيات السلوك الإنسانى الرفيع على الأرض والذين أرسلهم الله للعالمين - ليس فقط ليبلغوا الرسائل السماوية- إنما ليكونوا قدوة لنا فى كل شيء حسن. ولهذا نجد الكثير من المسلمين يقولون الرسول قدوتنا. وكذلك السيد المسيح أعظم مثال للتسامح والتفانى والتضحية والفداء عرفته البشرية. من أجمل ما أحب للنبى صلى الله عليه وسلم من أحاديث نبوية «إنما الأعمال بالنيات» وكذلك «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن». ومن أجمل الحكم التى نطقها عيسى ابن مريم «طوبى للرحماء لأنهم يرحمون» «كما تريدون أن يفعل بكم الناس افعلوا هكذا أنتم بهم أيضا» ومن أجمل كلمات نبى الله موسى عليه السلام: «ربى اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى». الأم تيريزا أيقونة رائعة من زماننا عاشت للآخرين وآتاها الله الحكمة. من أعظم ما أذكره لها ما قالته: «لا تنتظر من يقودك لعمل الخير، أعمل الخير لوحدك وللآخرين مباشرة». وقالت «البشر غير عقلانيين وغير منطقيين وأنانيون، أحبهم بالرغم من هذه الصفات كلها». ومن أعظم الصالحين أيضا سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه الذى قال عنه نبى الإسلام: «أنا مدينة العلم وعلى بابها». ومن أقوال على التى تهز قلبي: «أفضل الناس أنفعهم للناس» و«فقد البصر أهون من فقد البصيرة». و«إن النفس لجوهرة ثمينة، من صانها رفعها ومن ابتذلها وضعها». ليس هدف المقال حشد بعض الأقوال المأثورة والحكم والأمثال وإنما تدريب الروح على فتح القلوب على مصراعيها والتمشى فى حديقة المحبة الواسعة، التى تفهم الدنيا على أصلها وليس كما يريدها الشيطان. هو يريد أن نكون مليئين بالتنافس المحموم، أو الحقد على من أتته النعمة، أو الكبر للأقوياء، أو الإعراض عن الناس للمغرورين. يهتز قلبى لكل ما هو خير. لكل ما هو روحانى وأصيل ورائق كصفحة الماء التى لا تملؤها مشاعر سلبية. أدعونى وإياكم أن يهتز قلبنا بالمحبة، فنتسامح مع من يسيء لنا وندعو له بالرحمة، أن نساعد المحتاج ونقف بجانب الضعيف. أن نعلم أنفسنا أن نشعر بالسعادة عندما نتسبب فى سعادة الآخرين. أذكر نفسى وإياكم ألا نسجن نفسنا فى البحث عن مصلحتنا نحن، وأماننا نحن و نجاحنا نحن، إنما نحاول كل يوم بأى قدر أن ننفع غيرنا. وأن نعرف التواصل مع الكون ومع الله تواصلا رفيعا نبيلا يليق بكوننا كائنا بشريا. مهما قالوا إن الله ميزنا بنعمة العقل، فإننى أرى أن الله ميزنا بالعقل والرحمة معا. لو نسينا الرحمة فماذا يتبقى منا: مجرد وحوش ضارية فى معركة لن نرث إلا أطلالها مهما طال بنا الزمن. وليس الجود فقط جود للأحباب وللفقراء والمساكين، لكن الكرم يكون حتى مع من أذونا. أدرب نفسى كثيرا على نسيان الإساءة ونسيان الغضب مع من أساءوا الينا. ليهتز قلبى من الحب، فالحب مذهبى ومبدئى الأمس واليوم وكل يوم. فإذا أحببت الله أحببت كل مخلوقاته وخلقه وما يفعله بى وبمصيري. لو تأملت جيدا سأجدنى أتمتع بالكثير من النعم بالدنيا ولا يحق لى أن أغضب من أى ابتلاء. يكفى أنه خلقنى إنسانا فأحسن تقويمى، وأنه يغفر لى مهما أخطأت مادمت لا أشرك به شيئا. يكفى أنه خلقنى أشعر وامتلئ بمشاعر السعادة من مشاعر الآخرين الدافئة المحبة لى. لن تمضى الحياة إلا وستجد أناسا يحبونك، هذه حكمته. لن تبرح مكانك فى هذه الدنيا إلا وأنت محبوب. يهتز قلبى أيضا للأمل فى الغد وفى رحمة الله، ويقينى أن اللحظة القادمة ستأتى بالأفضل. ليظل مقصدى دائما ليس فقط البحث عن الحكمة إنما ممارستها بكل الصور. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف