حرك قرار الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدسالمحتلة كعاصمة لإسرائيل المياه الراكدة بشأن القضية الفلسطينية، وأثار جدلا محمودا على المستويات الرسمية والشعبية والفكرية حول العديد من القضايا بشأن كيفية التعامل مع نتائج القرار، ومستقبل عملية السلام. إحدى القضايا الجدلية التى طرحها بعض المسئولين الفلسطينيين، وعدد من المفكرين والباحثين المصريين والعرب تروج لفكرة أن قرار ترامب أسهم بشكل كبير فى نهاية «حل الدولتين» للقضية الفلسطينية، وأن علينا الآن أن نطرح حل «لدولة الواحدة» لهذه المشكلة. أى أن مسألة قيام دولة فلسطينية مستقلة بجانب دولة إسرائيل قد انتهى من الناحية العملية ليس فقط بقرار الإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ولكن أيضا نتيجة لما ابتلعته إسرائيل من أرض فلسطينية أقامت عليها مستوطنات فى الضفة الغربية، فهناك أكثر من 380 الف مستوطن يهودى يعيشون فى الضفة ومنتشرون بكل أنحائها، و40% منهم يعيشون خارج الكتل الإستطانية الكبرى بها. بل وأصبح الفلسيطينيون يمثلون أقلية سكانية فى القدسالشرقية، نحو 37% من سكانها فقط والأغلبية من اليهود. الحل البديل هو طرح فكرة الدولة الواحدة التى تضم الفلسطينيين واليهود معا، وتكون فيها القدس عاصمة للجميع. ويتمتع الكل فيها بحقوق سياسية متساوية. صائب عريقات – كبير المفاوضين الفلسطينيين فى مباحثات السلام – طرح الفكرة فى حديث له مع صحيفة هاآرتس الإسرائيلية منذ عدة أيام، وذكر أن الرئيس ترامب قد بعث برسالة للفلسطينيين فحواها أن حل الدولتين قد انتهى، والأن حان وقت تحويل النضال الى الدولة الواحدة فى فلسطين التاريخية من النهر الى البحر، والتى يعيش فيها الجميع ويتمتعون بحقوق متساوية”. الفكرة بالتأكيد جذابه لأنها تقوم على المبادئ الليبرالية المتعلقة بالمساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتمائهم الدينى، كما أن هذا الحل قد يبدو من السهل التفاوض بشأنه لأنه لن يؤدى الى خلاف حول ترسيم حدود، أو نقل مستوطنين، أو إجراءات أمن، أو الاعتراف بالعاصمة. فالكل سوف يعيش فى نفس الدولة دون تقسيم. ولكنها فكرة تبدو غير واقعية، وقد يترتب عليها مشكلات أكثر من كونها تمثل حلا للفلسطينيين وقضيتهم، ولا أعتقد أن التوقيت الحالى هو الأفضل لطرحها. فبالنسبة للتوقيت، وبالرغم من الآثار السلبية الكثيرة لقرار ترامب بشأن القدس، فإن أحد أثاره الإيجابية تمثل فى عودة القضية الفلسطينية لبؤرة الاهتمام الاقليمى والدولى بعد سنوات من تراجع الإهتمام بها سواء نتيجة الانشغالات الداخلية وتركيز الدول العربية على التعامل مع أثار العاصفة التى هبت على المنطقة بدءا من 2011، وتنامى خطر الإرهاب، وبزوغ التهديدات الإيرانية، وكذلك تراجع اهتمام القوى الكبرى بالمنطقة وبقضيتها الرئيسية وهى القضية الفلسطينية. ولكن قرار ترامب ولد زخما إقليميا ودوليا بالقضية الفلسطينية، وأعادها لمكانتها كقضية مركزية فى المنطقة والعالم. وجلسة مجلس الأمن التى ناقشت هذا الأمر أوضحت بجلاء مواقف الدول الكبرى بما فيها أصدقاء للولايات المتحدة مثل فرنسا وبريطانيا بالإضافة لروسيا والصين، والذين أكدوا تمسكهم بحل الدولتين وعلى اعتبار القدسالشرقية أرضا محتلة، وأن مستقبل المدينة تحدده المفاوضات وليس الإرادة المنفردة. بعبارة أخرى فإن النضال من أجل أن يقبل العالم بحل الدولتين قد استغرق وقتا طويلا حتى تكون إجماع دولى بشأنه (حتى ترامب وهو يعلن قرار القدس تحدث عن حل الدولتين) ومن ثم ليس من المنطقى أن يطرح الفلسطينيون والعرب هذه الفكرة الأن. المسألة الثانية تتعلق بصعوبة تحقيق هذه الفكرة على أرض الواقع لأن كل القوى السياسية داخل إسرائيل سوف ترفضها سواء من اليمين أو اليسار لتعارضها مع الفكرة الصهيونية، وإنشاء إسرائيل كوطن لليهود، أى دولة أغلبية سكانها من اليهود. وتدرك إسرائيل جيدا أن الفلسطينيين يملكون ما يسمى “القنبلة البيولوجية” أى يتمتعون بمعدلات إنجاب وخصوبة عالية، سوف تؤدى خلال سنوات قليلة الى أن يصبح الفلسطينيون هم الأغلبية فى هذه الدولة وما يترتب عليه من نتائج سياسية، وهو أمر لن تقبله إسرائيل. كما أن فكرة الدولة الواحدة تثير أيضا قضية اللاجئين الفلسطينيين وكان هناك تصور لحل هذه القضية من خلال عودتهم للدولة الفلسطينية فى الضفة وغزة وليس فى أراضى 1948، تخوفا من اختلال التوازن السكانى داخل إسرائيل. وفى إطار حل الدولة الواحدة قد ترفض إسرائيل حتى عودتهم الى الضفة وغزة. الفكرة إذن نظرية بالأساس، وطرحها الآن يعقد القضية الفلسطينية أكثر من تعقيدها الحالى. قد يكون لدى البعض سيناريوهات أخرى لتحقيق حل الدولة الواحدة، ولكن بالتأكيد التفاوض ليس أحدها، ومن ثم فإن حل الدولتين مازال هو الأكثر واقعية كأساس للتفاوض، وعودة القضية الفلسطينية لبؤرة الاحداث بعد قرار ترامب بشأن القدس، والتفاعل مع مبادرات دولية تقوم على حل الدولتين قد تطرح خلال الشهور المقبلو، ربما يكون أكثر واقعية من التعلق بسراب التفاوض حول حل الدولة الواحدة. لمزيد من مقالات د. محمد كمال