بناء مشروع سكنى وترفيهى على أرض محمية وادى دجلة على مساحة 106 أفدنة. عنوان مثير بلا شك، فهل ضاقت أرض مصر حتى يتم بناء عمارات سكنية داخل محمية طبيعية، مصانة بقوة القانون والدستور؟! البداية كانت من عند المواطن أحمد شوقي، الذى فوجئ بأن الوحدة السكنية التى تعاقد عليها فى مشروع سكنى بمدينة الفسطاط الجديدة، لم يعد بإمكانه تسلمها، بعد أن آلت العمارة التى تضمها، إلى وزارة البيئة كحق انتفاع، لتكون مبنى إداريا ينتفع به جهاز شئون البيئة، فى الوقت الذى تقوم فيه الشركة صاحبة المشروع وهى شركة المعادى للتنمية والتعمير ،إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال - بإقامة مشروع سكنى على أرض كانت تعتبر جزءا من محمية وادى دجلة، التابعة لوزارة البيئة. يقول شوقي:» دفعت 20 ألف جنيه دفعة تخصيص للوحدة رقم21 بعمارة 27 ن بمدينة الفسطاط الجديدة، وذلك فى يونيو2016، وكان من المقرر تسلمها فى الشهر نفسه، الا أنه تمت مماطلتى لأكثر من 10 أشهر، وفى مارس الماضي، أخطرتنى الشركة بالتوجه لمقرها لإتمام إجراءات التعاقد على وحدة سكنية أخرى غير التى اخترتها ، فى عمارة أخرى تماما، و طالبوني- إن أردت إتمام التعاقد- بأن أقبل بالأسعار الجديدة ! وإلا فليس لى وحدة سكنية لديهم!مشكلة أحمد شوقى لم يتم حلها حتى الآن رغم إرساله شكوى لمكتب وزير قطاع الأعمال ضد الشركة ، ولم يجد أمامه سوى اللجوء إلى القضاء.. إحدى المبانى المقامة على أرض محمية وادى دجلة [تصوير: بسام الزغبى] المشهد الثانى كان استجوابا تقدمت به النائبة شيرين فراج لوزير البيئة بشأن ما وصفته ب» عقد صفقة» مع شركة المعادى للتنمية والتعمير، تقضى بتعديل حدود محمية وادى دجلة لمصلحة إقامة مشروع سكنى ، فى مقابل مبنى إدارى تم تخصيصه من الشركة للوزارة، وقام رئيس مجلس الوزراء بإصدار القرار رقم 2953لسنة 2015 بناء على ما عرضه وزير البيئة بشأن تعديل إحداثيات المحمية وتقليصها، الأمر الذى اعتبرته النائبة مخالفا لقانون المحميات سواء من حيث بطلان تمليك جزء منها أو بيعه أو التصرف فيه، أو من حيث أحقية القيام بأى أعمال أو أنشطة من شأنها إتلاف أو تدمير أو الإضرار بالبيئة الطبيعية للمحمية. الإيجار : جنيه واحد! بالاطلاع على صورة من العقد المبرم بين وزارة البيئة وشركة المعادي، جاء فيه أن الأخيرة ملزمة بإنشاء سور يفصل بين أراضى المحمية وأراضى الشركة قبل البدء فى أى أعمال حتى لا يتم إلقاء المخلفات بالمحمية، وتلتزم أيضا بتأجير عمارتين رقم25ن و26 ن بمنطقة الفسطاط لجهاز شئون البيئة لمدة 49 عاما بمقابل رمزي ( جنيه واحد) ويجوز مد فترة الإيجار، وتلتزم الشركة بتشطيب العمارتين، من بنود الاتفاق أيضا النص على تمليك جهاز شئون البيئة للعمارة 27 ن المجاورة للعمارتين المذكورتين بقيمة قدرها 13٫5 مليون جنيه، على أن تخصم من مبلغ العشرين مليون جنيه التى خصصتها الشركة لدعم جهاز شئون البيئة. بنود الاتفاق تثير الدهشة ، فماذا يعنى أن يكون حق انتفاع جهاز شئون البيئة بالمبنيين الادرايين مقابل « جنيه واحد» ! أى مجانا؟! وما هو مبلغ العشرين مليون جنيه الذى خصصته الشركة لدعم الجهاز، وما الذى يحتم عليها «دعم» الجهاز ماديا؟! كان ينبغى أن نعرض كل استفهاماتنا على د. أحمد سلامة- رئيس قطاع المحميات الطبيعية بوزارة البيئة- والذى استهل حديثه بإحضار ورقة وقلم، ليرسم حدود المحمية عند بداية تعيينها فى عام 1999، ليكشف عن أن ذلك تم بطريقة «عشوائية» لم تراع ما هو قائم بالفعل على الأرض من مبان ومشروعات، فكانت هناك تداخلات عديدة، فتم تغيير الحدود بعد ستة أشهر فقط من الترسيم الأولي، وكان ذلك فى عام 2000، وكانت المشكلة الباقية تتمركز فى الناحية الشرقية للمحمية، حيث اتضح أنه تم ضم مساحة أرض تابعة لشركة المعادى للتنمية والتعمير، والمخصصة لها بقرار جمهورى رقم 1840 لسنة 1973 فى «عهد» الرئيس الراحل أنور السادات، وبالتالى فهم يملكون الأرض ، ولا يجوز سلبها منهم إلا بقرار جمهورى جديد. يتضيف سلامة: يجاور أرض « المعادى والتعمير» منطقة شق الثعبان ، التى تم إدراج جزء منها ضمن التعيين الأول، فتم لاحقا تدارك الخطأ واستثناؤها من أرض المحمية، مع إلزام القائمين على المنطقة بناء سور فاصل على أن يلتحم به سور شركة المعادى لاحقا، وقد حاول الكثير من رجال الأعمال من أصحاب المصانع التغول على أرض المحمية والحصول على المزيد من المساحات تصل إلى سبعة كيلومترات داخل المحمية ، لكننا تصدينا لهم بقوة». الرد على الاستجواب كما يضيف سلامة : أن وزارة البيئة تعد مجرد جهة إدارة ولست جهة ولاية، أى لا تملك الأرض، وكل ما نقرره بشأن إدارة المحميات الطبيعية يتم بعد موافقة المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة، أما بشأن حصول جهاز شئون البيئة على مبان إدارية تابعة لشركة المعادي، فقد جاء ذلك عندما طلبنا من الشركة بناء مبنى إدارى لصالح الجهاز، وكانت تكلفته 20 مليون جنيه ، فعرضت علينا استغلال مبان تابعة لها مقامة بالفعل، على أن يحصل الجهاز على مبلغ العشرين مليون جنيه كدعم له ، وحاليا تقوم الشركة أيضا ببناء مركز لزوار المحمية. سألناه عما ورد فى استجواب النائبة شيرين فراج وعدم رد الوزارة بشأنه فأكد قائلا: «نحن نرد على الاستجوابات فى مجلس النواب وليس في وسائل الإعلام، وقد طلب وزير البيئة من النائبة فى إحدى الجلسات أن تتقدم بأى مستندات تدين الوزارة للنائب العام، أما بشأن استنادها إلى فتوى من مجلس الدولة بشأن بطلان بيع 62 فدانا فى محمية بحيرة قارون، فهو يفتقد الدقة ،لسبب بسيط ، هو أنه لا يجوز بيع أراض داخل المحمية، وإنما يجوز فقط منح حق الانتفاع». وهذه حالة تختلف تماما عن حالة شركة المعادى للتنمية والتعمير.
تصحيح أخطاء الماضى يكشف رئيس قطاع المحميات عن خبر من العيار الثقيل: «حتى نريح الجميع، فقد عزمنا أن نعدل حدود عدد آخر من المحميات ، وهذا الملف تحاشاه الكثيرون من المسئولين السابقين حتى لا يفتحوا علي أنفسهم أبواب «النار»، وقد قررنا أن نصحح أخطاء الماضى ونواجه كل التبعات ، فليس معقولا أن نضيع الحقوق لإرضاء البعض، فهل يعقل مثلا - أن يكون للفنان الراحل حسن فايق أرض مقام عليها منزله ضمن حدود محمية وادى الريان ولا يستطيع ورثته الحصول عليها؟! لهذا ولحالات أخرى كثيرة قررنا أن نعيد النظر فى ترسيم حدود الكثير من المحميات، إذ تمت بشكل غير مدروس ولا ضير من الاعتراف بذلك، لكن للأسف يتم اتهامنا الآن بأننا نفرط ونبيع ونعقد صفقات، ومشكلة شركة المعادى مثارة منذ ترسيم المحمية لأول مرة، ولم يتم حلها إلا بعد إعادة الترسيم فى عام 2015. سؤالنا الأخير للدكتور سلامة كان بشأن ملاحظة الكثير من زوار محمية وادى دجلة عن اختفاء الحيوانات البرية، فأوضح أن تلك المحمية لا تتميز بالحيوانات النادرة، بقدر ما هى محمية مناظر طبيعية landscape، وهى عبارة عن واد ضيق يتميز بصخور نحتتها الطبيعة نتيجة سقوط الأمطار وتجمعها فى الوادي، فشكلت تكوينات جيولوجية بديعة، تجذب الأجانب على وجه التحديد.